المجر تغرد خارج السرب الأمريكي – الأوروبي
ريا خوري
لم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها معظم دول الغرب الأوروبي، إقناع عدد من الدول التي تسير في فلكها من الانجرار إلى الحرب الأوكرانية، فعلى الرغم من أن المجر عضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وعضو في الاتحاد الأوربي، فإنها تغرد خارج السرب الغربي الأمريكي _ الأوروبي، ولها موقف خاص ومتميز يدعو إلى المفاوضات والحل السياسي، وغير منغمسة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في تسعير الحرب وإرسال السلاح إلى أوكرانيا.
الجدير بالذكر أنّ المجر لها حدود مشتركة مع أوكرانيا تصل إلى نحو ١٠٩ كم، مثلها مثل العديد من الدول الأوروبية، ولم تكن بعيدة عن تداعيات الحرب إذ استقبلت على أراضيها حولى أربعمائة ألف لاجئ أوكراني، بل إنّ فيكتور أوربان، رئيس وزراء المجر، المتهم بمناهضة الهجرة، توجه إلى الحدود مع أوكرانيا لاستقبال أفواج اللاجئين الأوكرانيين الهاربين من الحرب، لكن له موقفا مبدئيا من الحرب لم يتراجع عنه على الرغم من كل الضغوط عليه للتراجع عن موقفه، واستمر يعلن موقفه صراحة، متهماً أوروبا بدخول حرب ليست حربها، وليست في صالحها، رافضاً مقولة أنّ الصراع الحالي على الأراضي الأوكرانية هو صراع بين منظومتين: أمريكية غربية، وروسية صينية شرقية.
هذا الموقف كرّره أوربان في أكثر من مناسبة، مؤكداً أن أوكرانيا لا يمكنها الانتصار عسكرياً، وأنّ الحل العسكري في أوكرانيا لا يجدي نفعاً، وأنّ هذه الحرب كانت نتيجة فشل الدبلوماسية وضعف قدرتها على إيجاد حل.
لقد كان موقف المجر نابعاً من رؤية استراتيجية، وقارئاً لعمليات التوازن العسكري والسياسي والاقتصادي العالمي، خاصة بين الأطراف المتصارعة على الأرض الأوكرانية. وكان قد أبدى رأيه بصراحة مطلقة حول أن الواقع والأرقام والسياق العام للصراع، وواقع أن حلف شمال الأطلسي ليس مستعداً لإرسال قواته التي تملك العتاد المتطور، لذا من الواضح أنه ليس هناك انتصار عسكري للأوكرانيين على أرض المعركة. هذه الرؤية التي تتجسّد عملياً على أرض الواقع ساهمت في زعزعة العديد من الدول الداعمة للحرب ضد القوات الروسية.
من هذا الموقف الجريء، رفضت المجر تقديم أية مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا كما تفعل الدول الغربية الأخرى، كما أن أوربان هو الزعيم الأوروبي الوحيد الذي لم يزر كييف، مع العلم أنّ معظم قادة وزعماء الدول الأوروبية ومعهم الرئيس الأمريكي جو بايدن قد زاروا العاصمة الأوكرانية كييف. هذا الموقف يثير حفيظة الدول الأخرى المنخرطة في الحرب الساخنة في أوكرانيا، لأن أوربان يرى أن الدعم العسكري لا يوفر فرصة للسلام على الإطلاق، بل يشكّل تهديداً لأمن القارة الأوروبية برمتها.
وجهة نظر المجر الداعية إلى المفاوضات، والجلوس حول مائدة مستديرة وصولاً إلى الحل السياسي، بدلاً من الانخراط في الحرب المدمرة، تتلاقى مع وجهة نظر السواد الأعظم من المواطنين الأوروبيين الذي يعبّرون عن مواقفهم الرافضة لسياسات دولهم من خلال القيام بالتظاهرات، والإضرابات التي شملت معظم دول القارة الأوروبية. وإذ يغرد أوربان وحيداً وسط سعير الحرب الدامية، فإنه يحقق بذلك هدفين إثنين: الأول إبعاد بلاده عن تداعيات الحرب وتأمين وارداتها من النفط والغاز الروسيين، والثاني عدم الانخراط في عداء مع روسيا، والحفاظ على مسافة واسعة تمكّنه من لعب دور الوسيط عندما تتوقف آلة الحرب.