شفيق اشتي في المركز الوطني للفنون البصرية.. اللوحة المكتظة بالضوء والبازلت
أكسم طلاع
افتُتح في المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق معرض الفنان التشكيلي السوري شفيق اشتي الذي سبق وأن عرض قبل سنوات قليلة في خان أسعد باشا أعمالاً تعود في فكرتها إلى مدينة تدمر، واليوم يتحفنا اشتي بمعرضه الجديد الذي ضمّ أكثر من ثلاثين لوحة حملت عنوان “ما قبل العشاء الأخير”، حيث قدم بحرفيته العالية خلاصة رأيه الجمالي بما حصل من دمار وهزائم تعرّي النفس البشرية وتضعها أمام مصيرها المحكوم بالإنسانية والسلام.
تتحرّك عناصر اللوحة عند الفنان اشتي في سياقها المعماري والغرافيكي نحو منبع واضح للضوء يعلو أو يتوسّط هذا الفضاء المزدحم بالخطوط والمسحات اللونية الكبيرة وبعض الكتل النافرة في مشهد يتّسع في مقدمته وجوانبه الأمامية لهذه المدينة الصاخبة في الحركة والموسيقا والتاريخ، هي ليست تدمر، ولا سان بطرسبورغ، ولا تلك المدن المذكورة في الروايات التاريخية، بل هي بعض من صنعاء ودمشق والسويداء وبعض من مدن قامت منذ عصور قديمة وماتت أمام عين الرسام الذي يستردها اليوم لتاريخها الذي نهض من ينابيع بعيدة، يهجس الفنان بها ويروي لنا عن تلك الحياة التي عاشها في حلم غير متوقع يستعيده على قماش أبيض تلوب عليه أصابع الفنان التي تراقص قلماً أسود فاحم العاطفة. شفيق اشتي المفعم بالرسم أضاف نكهة خاصة للتشكيل السوري بجديته واختيار مصير حياته بأن يكون رساماً ورساماً فقط.
كتب الفنان غياث الأخرس رئيس مجلس إدارة المركز الوطني للفنون البصرية عن تجربة اشتي: فنان متمكّن من أعماله الفنية، يد متينة في العمل ورؤية خاصة به، امتشاقه شخصياته وتكويناته تتجه دائماً نحو الأعلى حيث الضوء وتنوع شفافية اللون، ورغم كثافة شخصياته والشطحات اللونية والتكوينات وكأنه انفجار كوني من الضوء سيطلق من نقطة ما في اللوحة، تكوينات متحركة في الشكل واللون من لوحة إلى أخرى بحساسية مرهفة في الدرجات اللونية، ربما كنّا نحتاج إلى مساحات أكبر من الفراغ لتريح هذا الزخم من التكوين.
ويضيف الناقد التونسي أسامة بن عامر: إن الفضاء التصويري للوحة شفيق اشتي يفلت من المائي ليصبح فضاء تشكيلياً وهمياً شديد الحركة، شاعرياً وحالماً ومتطلعاً إلى الغائب، يستهوينا بهزاته الصامتة فيدعونا إلى التأمل والكشف وإلى سبر خبايا الجمال التعبيري في فسحة منزوية ومنفردة وتائقة إلى الهروب، تحكمها ألوانه كما تحكمها ذاكرته، إنه يدعونا لنحلم معه، يصنع فضاءه الخلوي ويبني عالمه المنشود في الحلم ليسكن فيه ويعلم أنه الحلم.
ولد في السويداء عام 1958 وتفتحت طفولته في محيط من الآثار المعمارية الرومانية، خريج كلية الفنون الجميلة عام 1982 وتابع تحصيله في أكاديمية سان بطرسبورغ للفنون في روسيا ونال شهادة الدكتوراة في فلسفة العلوم الفنية، له العديد من المعارض الفردية والجماعية محلياً وعالمياً.
يُذكر أن معرض الفنان شفيق اشتي مستمر لغاية منتصف حزيران.