تدعيم العشوائيات أم استبدالها بالضواحي؟
علي عبود
وبما أن زلزال 6/ 2/ 2023 ضرب بشدّة مناطق العشوائيات، فإن وزارة الأشغال العامة والإسكان طرحت للمرة الأولى فكرة تدعيم مبانيها كخطوة استباقية لأي طارئ، خاصة وأن الخبراء يؤكدون أن المنطقة دخلت دورة زلزالية جديدة بعد خمود تجاوز الـ 200 عام، وقال وزير الأشغال إن “التدعيم أمر وارد في خطة الحكومة، وهو أحد مخرجات عمل لجان التقييم التي سوف تحدّد مدى حاجة هذه الأبنية إلى التدعيم سواء بالحديد أو بالبيتون وغيره من التقنيات الحديثة”، لكن السؤال: هل التدعيم لأبنية هشّة سيحمي سكانها من زلزال قوي كالذي ضرب تركيا وسورية مؤخراً؟
لقد سبق وتلقت سورية في تسعينيات القرن الماضي مشروعاً من دولة عربية لحلّ مناطق العشوائيات في دمشق، يقضي ببناء مدن حديثة مكانها يُخصّص لسكانها منازل بديلة فيها، لكن لم توافق الحكومة آنذاك على المشروع الذي لم يكن يكلفها أي أعباء مالية، ولا ندري سبب رفضها لاستبدال العشوائيات بضواحٍ سكنية حديثة!
ولعلّ كارثة الزلزال الأخيرة كفيلة بإعادة المشروع مجدداً، فهناك الكثير من شركات التطوير العقاري جاهزة لتنفيذ ضواحٍ جديدة تحلّ مكان العشوائيات، مع تأمين شقق بديلة لسكانهاK على مثال ما فعلته محافظة دمشق في منطقة خلف الرازي، ولا خوف من أن يستغرق التنفيذ عدة سنوات، فتقنيات التشييد السريع تنجز الضاحية السكنية في حال تأمين مخططاتها ومستلزماتها بأقل من سنة، والمهمّ أن المباني ستكون مقاومة للزلازل الشديدة.
وبدلاً من الحلول “الترقيعية” التي تضمّنتها مذكرة وزارة الأشغال العامة والإسكان ووافق عليها مجلس الوزراء وهي “تأمين مساكن للمتضررين من الزلزال في محافظتي حلب واللاذقية”، لماذا لم يناقش المجلس الحلول المتكاملة، أي بناء ضواحٍ سكنية في المحافظات التي ضربها الزلزال؟
لقد آن الأوان وسورية مقبلة على مرحلة إعادة الإعمار التخطيط لمعالجة جذرية لمناطق العشوائيات التي باتت تشغل مساحة أكبر بكثير من المناطق المنظمة، وتشوّه الطابع العمراني والتراثي للمدن السورية التي اشتهرت بتميّزها الفريد والبديع عبر القرون. ولدينا خبرات عريقة في التخطيط العمراني المستند إلى تاريخ العمارة في بلاد الشام، كما يمكن الاستعانة بكليات الهندسة في الجامعات السورية، وبخريجيها الذين فازوا بجوائز عربية وعالمية.
والملفت أن وزارة الأشغال تتجاهل كلّ الطروحات والمقترحات العملية، كما تتجاهل منذ ثلاثة عقود أي مشاريع لاستبدال العشوائيات بضواحٍ سكنية لا يكلف تنفيذها خزينة الدولة أي مبالغ كبيرة، وبدلاً من الانشغال ببناء أبراج سكنية محدودة لم ينجز منها أي بناء، منذ زلزال 6/ 2/ 2023، فلتنشغل الوزارة بتخصيص مناطق التطوير العقاري لشركات سورية وعربية ومن دول حليفة لتشييد ضواحٍ سكنية بتقنيات التشييد السريع، والأمر ليس مستحيلاً ولا بالمعجزة التي تتصوّرها الجهات المعنية بقطاع الإعمار.
نعم، لقد توقعنا أن يكشف وزير الأشغال العامة والإسكان في مداخلته وردوده على أسئلة واستفسارات أعضاء مجلس الشعب، في جلسة 25/ 5/ 2023 عن خطط وزارته لمستقبل مناطق العشوائيات التي ضربها زلزال 6/ 2/ 2023، لكنه لم يفعل!!.
ومع أن الجلسة كانت مخصّصة بمعظمها لمناقشة وزير الأشغال بالإجراءات المتخذة في مواجهة آثار الزلزال، فإن أجوبته لم تتضمن أي رؤية لمناطق العشوائيات التي كشف الزلزال حجم الفساد الكبير المرتكب بتشييدها بالتواطؤ بين المتعهدين والبلديات.
الخلاصة: مع أن أعضاء في مجلس الشعب طالبوا في مداخلاتهم بضرورة تطوير مخططات المدن الرئيسية بالمحافظات، بهدف منع انتشار العشوائيات ومناطق المخالفات، لكنهم لم يطلبوا من الوزير التخطيط بأسرع ما يمكن لاستبدال العشوائيات بضواحٍ سكنية مبانيها مقاومة للزلازل، وهذا الأمر مستغربٌ جداً لأن وضع المنكوبين من الزلزال يتطلب حلولاً جذرية لا مؤقتة ولا مجتزأة!!.