في سبيل المكتبة الشعبية
أحمد علي هلال
شكى لي صديق – قارئ نهم – صعوبة الحصول على كتاب مما تبقى من مكتبات أُغلق الكثير منها لتصبح محال تجارية واستبدلت الكتب بنمط من الاستهلاك العاري. قال لي بأسى خفيّ: لم يعد بوسعي شراء الكتاب، لقد فاق سعره ثلاثة أضعاف أو أكثر. قلت له ببساطة: يمكنك أن تقرأه إلكترونياً!! ضحك وقال: لم يعد العمر يتسع لحدقة العين لتظفر بكلمات ضوئية. ضحكنا معاً وجال في مخيلتي فكرة ما، ماذا لو طُبعت أجمل الروايات والتي أصبحت أسعارها اليوم وكأنها في عالم آخر، أقصد هنا أن تُطبع طباعة شعبية تماماً مثلما طبعت مصر العديد من الروايات على سبيل المثال، وغيرها، وغيرها، كان اسمها ذات يوم المكتبة الشعبية، وبوسع القارئ أن يقرأ لتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ والمازني وعباس محمود العقاد وغيرهم، دون الحاجة إلى تلك الطباعة الفخمة المترفة، فأهم ما تؤديه هذه الطباعة الشعبية أنها تمكن القارئ وبسعر زهيد من أن يحيط بشغفه بالقراءة مما تختاره ذائقته ووعيه وثقافته، فبعيداً عن أطروحة “موت المكتبة” من أجل عادات جديدة ساهمت بشكل أو بآخر بإنتاج غير نهم عجول، لا يقرأ سوى عنوانات هذه الكتب أو يقتطف منها سياقات بعينها، دون أن تؤدي القراءة بتكامل أجزائها إلى وظيفة معرفية، بل ثمة وظيفة ما فوق استهلاكية، لا يبقى منها سوى التندر والاستعراض، في زمن الصورة الإشهارية، أي ثقافة الاستهلاك مجدداً والتي أصبحت حقيقة تتجاوز تلك الفرضيات، وتعيدنا إلى ما كتبه آلان دونو في كتابه الأشهر «زمن التفاهة» بل أكثر من ذلك إلى آليات التلاعب بالعقول والتي ستشمل غير وسيلة معرفية تنذر بالاندثار، والعودة إلى زمن الحنين حينما كان الكتاب يُطبع ويُسوق وتُقام له الندوات الكثيفة.
صحيح أنه يجري مثل هذا الأمر في غير مكان، ولكن على استحياء، وبوجود من يعنيهم الأمر، لا الجمهور العريض، الذي كان دالّة تلك الأيام من احتفظوا بعنواناتها الباذخة كعناوين لأزمنتهم وأيامهم، لن ننعي الكتاب أو القراءة أو القارئ مع تبدّل عادات القراءة والأدل في هذا السياق تبدل الجمهمور، الذي يتوق إلى الكتاب وسوقه بعيداً عن المنافع التجارية البحتة.