قمة هيروشيما محاولة لإثبات الذات
ريا خوري
لم يتوقف الغرب الأمريكي- الأوروبي عن البحث عن الطرق والسبل للتضييق على روسيا الاتحادية، وجمهورية الصين الشعبية. ومؤخراً شهدت قمة هيروشيما التي عقدتها الدول السبع الكبار سجالاً ساخناً في محاولة البعض منها لاحتواء روسيا والصين، في ظل تشديد العقوبات على روسيا، واحتواء النفوذ الصيني المتصاعد.
لقد ركّز زعماء سبع دول من أغنى دول العالم في اجتماعهم السنوي المنعقد بمدينة هيروشيما اليابانية على دولتين لم تشاركا في القمة، من خلال تبني هدف مزدوج يشمل تشديد الخناق على روسيا، والبحث في سبل مواجهة القوة العسكرية والاقتصادية المتنامية للصين.
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد عمل منذ وصوله للحكم في البيت الأبيض في شهر كانون الثاني عام 2021 على إحياء وتقوية مجموعة الدول السبع التي تضمّ كندا، وفرنسا، وجمهورية ألمانيا الاتحادية، وإيطاليا، واليابان، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية. ويستشعر الغرب الأوروبي- الأمريكي مدى خطورة التحوّلات الاستراتيجية الكبرى الجارية في العالم، والمخاوف المتزايدة من فقدان دوره في المشاركة بقيادة العالم، وفقدان هيمنته على مواقع نفوذها في الساحة الدولية على معظم الأصعدة.
ومن يتابع التصريحات ويقرأ البيانات التي أطلقتها مجموعة السبع، يلحظ لهجة تصعيدية غربية تتسم بالعدائية أكثر مما هي لهجة تصالحية أو توافقية، وإن كانت مغلّفة أحياناً بالحديث عن المحافظة على علاقات “متينة وبنّاءة ومستقرة” مع الصين، أو تبّني نهج مشترك متفاعل مع الصين التي تتصاعد قوتها بشكلٍ هائل، وفق مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، ذلك أن إطلاق التهديدات والتحذيرات تجاه ما يُسمّى “العسكرة” الصينية في القارة الآسيوية والمحيط الهادي، وبناء ترسانتها النووية، والمطالبة الحثيثة بتخلي كوريا الديمقراطية عن برنامجها النووي، مرفقاً برفض ما يعتبرونه تهديد القيادة الروسية باستخدام أسلحتها النووية، ومن موقع هيروشيما التي تلقت قنبلتين ذريتين من القوات الأمريكية بالذات، هي جميعها تحمل رسائل واضحة جداً بشأن المدى الذي يمكن أن يذهب إليه الغرب الأوروبي- الأمريكي.
لمن يريد الحقيقة، إن الولايات المتحدة هي أوّل من استخدم الأسلحة النووية وليس الصين أو روسيا. وإذا كان التصعيد الغربي الأوروبي- الأمريكي لا يقتصر على الجانب العسكري وحده، فقد تمّ إطلاق مبادرة جديدة لمواجهة ما يُطلق عليه “الإكراه الاقتصادي”، حيث يتزايد شعور الغرب الأوروبي- الأمريكي بأنّ بالصين باتت تمثل تهديداً مباشراً لاقتصاده.
من جهةٍ أخرى، ارتفعت وتيرة النبرة التصعيدية ضد روسيا عبر تبني حزم جديدة من العقوبات الجائرة، بذريعة الحدّ من إمكانات تمويل قواتها العسكرية، والحدّ من استمرار عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وقرّرت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى فرض حظر شبه كامل على الصادرات إلى روسيا، على الرغم من معارضة بعض الدول الأوروبية. لذلك، وإمعاناً في التصعيد، جرت مطالبة روسيا بسحب قواتها بالكامل وغير المشروط من أوكرانيا، وقرّرت مجموعة الدول السبع التخلي عن أية محظورات في تسليح أوكرانيا، وتزويدها بطائرات “إف 16″، وغيرها من الأسلحة المتطورة والبعيدة المدى، من دون أخذ المصالح الروسية والأمن القومي الروسي في الاعتبار.
إن التصعيد الغربي الأوروبي- الأمريكي، الذي وصل في بعض مستوياته إلى ممارسة سياسة حافة الهاوية، وهي سياسة فيها من الخطورة الكثير، لا يبدو أكثر من محاولة لإثبات الذات، بعد أن أصبح الشقاق والانقسام العالمي حقيقةً واقعة، وبعدما أضحى الغرب يفقد مواقع نفوذه وسيادته وقوته التقليدية في الكثير من مناطق العالم. وبالتالي فالتحديات التي يواجهها الغرب الأوروبي- الأمريكي، باتت أكبر بكثير من قدرته على استعادة زمام المبادرة، فجمهورية الصين التي لا تأبه كثيراً بتهديدات الغرب مهما كانت، حذّرت من أنها ستقابل أي تهديدات مهما كان مستواها بإجراءات مضادة حازمة وقوية لم يعهدها الغرب مسبقاً، وجدّدت التأكيد أن شبه جزيرة تايوان تمثل “خطاً أحمر” بالنسبة لها، كونها تعدّ جزءاً من ترابها الوطني الذي لن تتخلى عنه، في حين تصّر روسيا بما تملك من قدرات اقتصادية وسياسية وعسكرية على أن مقارعتها للغرب ستتواصل حتى تحقيق أهدافها ومراميها، وأن من بدأ سياسة “العسكرة” هو الغرب الأوروبي- الأمريكي نفسه، ولا مفرّ من إرغامه على التسليم بالنظام العالمي الجديد الذي يتشكل الآن وفق الإرادة الروسية والصينية ومجموعة دول “البريكس”.