مجلة البعث الأسبوعية

روايات الخيال العلمي المدهش تتحول إلى حقائق! الذكاء الاصطناعي يثير الرعب.. السيناريوهات غامضة فهل ستندم البشرية؟ محلياً : آراء تدعو لمواكبته لا مواجهته بما يحقق لنا الأمان الأخلاقي والثقافي

البعث الأسبوعية- غسان فطوم

عام  2018، كان عام النقلة النوعية للذكاء الاصطناعي، حيث أصبح أداة رئيسية تدخل في صلب جميع القطاعات، ومنذ أيام تناقلت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي تحذيراً لجيفري هينتون الملقب بـ “الأب الروحي للذكاء الاصطناعي” مفاده “أن البشر لن يكونوا الأكثر ذكاءً بعد 5 سنوات، وأن أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تمتلك دوافع سيئة وتتولى زمام الأمور”.

هذا “الذكاء”  مرعب وشاغل العالم خلال هذه الأيام، هو لغة الجيل القادم شئنا أم أبينا، فالكل يتحدث عنه، والغالبية يتخوف منه، بعد أن أصبح حقيقية  وليس مجرد خيال علمي، لدرجة أن البعض وصفه بالعدو الشرس للبشرية بعد أن خرج من المختبرات وعالم روايات الخيال العلمي التي كانت تأخذنا لبعيد ولم يكن يخطر في بالنا أنها ستتحقق يوماً.

محلياً لا شك في أننا سنتأثر باستخدامات الذكاء الاصطناعي بعد أن أصبح يتدخل في كل تفاصيل الحياة اليومية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف سنتعامل معه ونستفيد منه ونتفادى ضرره أو سلبياته والحفاظ على أمننا الأخلاقي والثقافي؟

 

مواكبتها لا مواجهتها

برأي الدكتور فادي عياش أن  الذكاء الاصطناعي ومشتقاته، حالة تطور يجب مواكبتها لا مواجهتها، واستثمارها عن طريق تحويلها إلى فرصة حقيقية لتعزيز المحتوى المعرفي على كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية، مشيراً إلى أننا في سورية نملك المقومات لذلك، وأن مرحلة إعادة البناء والإعمار فرصة جوهرية لتحويل الدمار “النفسي والاجتماعي والاقتصادي”، إلى استثمار في المعرفة، وإنتاج  مخرجات قادرة على تعويض حجم الخسائر الكبيرة، مؤكداً أنه لا يمكن تعويض الزمن إلا بالارتقاء المعرفي، فالزمن هو مكافئ القيمة الحقيقي، وأنه لا مشكلة في التطبيقات والتقنيات بذاتها، مهما كانت، بل المشكلة الفعلية في كيفية تعاملنا معها، وتوظيفها واستثمارها بما يخدم مجتمعنا ويسهم في تحقيق التنمية وتحييد مضارها وسلبياتها، وبيّن عياش أن نجاحنا في ذلك يعتمد إلى حد بعيد، على مدى قدرتنا على فهم واستيعاب هذه التقنيات ومن ثم مجاراتها ومحاكاتها وصولاً إلى نمذجة ذاتية لها تحقق أهدافنا وتحييد أهداف من وراءها.

وحذر الدكتور عياش من هذه التقنيات والتطبيقات، داعياً للبحث والعمل الجدي لجهة كيفية استثمارها وتوظيفها لخدمة المجتمع على كافة الصعد إذ لا يجوز رفضها أو محاربتها.

 

محظور ولكن!

وبالرغم من أن برنامج الذكاء الاصطناعي التوليدي (ChatGPT) محظور في سورية، أَو محجوب عنا، بحسب ما قال المهندس مضر إبراهيم، لكنه توقع أن يسمح به شأنه شأن وسائل التواصل الاجتماعي، أو “الانفصام الاجتماعي” كما وصفها المهندس إبراهيم، وبرأيه هذه الوسائل الفوضوية ستبقى المنتج الوحيد خارج “قيصر” وسواه الذي لا يطاله سيف العقوبات، لأنها أدوات فوضى غير خلاقة تزيد من آثار حربهم وحصارهم علينا، موضحاً أن من استطاع استخدام برنامج الـ ChatGPT الأمريكي الصنع، سيعرف ليس فقط كم “الغباء الاصطناعي” الذي يشتمل عليه البرنامج في توليد النصوص، بل كم التدجين والبسترة للنصوص المولدة فيه، مشيراً إلى أن التقنيات التي ستحل محل وسائل التواصل وخوازميات محركات البحث لن تسمح بتعريفات ونصوص وصياغات تشبه خطابنا ولغتنا وثقافتنا وهويتنا، لافتاً إلى أن كل دول العالم تبحث عن أمنها الأخلاقي والثقافي، فروسيا اعتمدت برنامجها الخاص GigaChat بديلاً عن ChatGPT وإيطاليا حظرت البرنامج الأمريكي بسبب انتهاكه للبيانات، متسائلاً: هل نحن لدينا من الحصانة والوعي ومعايير الأمان ما يؤهلنا للتعامل معه أفضل من غيرنا، بعيداً عن ترويج اليونسكو له؟!.

 

مع أو ضد

من وجهة نظر الدكتور رامي آمون الأستاذ في كلية التربية بجامعة تشرين أنه لا بدّ من طرح موضوع الذكاء الاصطناعي للنقاش كونه في غاية الأهمية، وذلك من خلال عقد جلسات حوار موسعة وورش عمل للوصول إلى أكبر قدر ممكن من الآراء والأفكار سواء كانت مع أو ضد الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، وبرأيه أنه مهما تطورت التقنيات وتحديداً تقنيات الاتصال وتكنولوجيا المعرفة لا يجب أبداً أن تحل مكان الإنسان مهما كانت المغريات ومهما كانت الإيجابيات لأن السلبيات على المدى البعيد ستكون كارثية، وبيّن أن علاقتنا بكل التطورات التي تحدث هي علاقة استهلاك فقط وحتى استهلاك غير مدروس وأحيانا كثيرة استهلاك مؤذ وغير مفيد، وتمنى الدكتور أمون من الجهات المعنية كافة أن تحدد ما هي حاجاتنا الحقيقية للذكاء الاصطناعي حسب متطلبات مجتمعنا وإمكانياته أولاً، ومن ثم نتوجه للاستفادة من كل التقنيات بما يحقق الأهداف ويشبع حاجات مجتمعنا ومواطننا ويحافظ على خصوصيتنا وشخصيتنا، فسياسة الهروب من هذه التكنولوجيا لن تؤدي بالنهاية إلا للتراجع المخيف.

 

التعامل بحذر!

الخبير في مجال المعلوماتية حسين إبراهيم يرى أن الذكاء الاصطناعي يمثل تقنية مهمة ومبتكرة، وله إيجابيات كثيرة وسلبيات محتملة، فإيجابياته تعمل على تحسين الكفاءة والإنتاجية، وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية والأمنية والمالية والبيئية، بينما تكمن السلبيات في قدرته على جمع البيانات الشخصية، إضافة إلى حدوث أخطاء في التحليل والتنبؤ والخطأ في التمييز والاعتماد الزائد على التكنولوجيا، داعياً إلى الحذر في استثماره بما يحقق التوازن ما بين الفوائد والمخاطر.

وبالنسبة لاستعدادنا في سورية لهذا التحدي، بيّن إبراهيم أن الذكاء الاصطناعي يمثل تحديًا كبيراً للمجتمعات والحكومات والشركات والأفراد، ولكن بالعمل المنهجي والتحليل الدقيق والإرشاد الصحيح، يمكن تجاوز المخاطر المحتملة للذكاء الاصطناعي والاستفادة من فوائده، لافتاً إلى ضرورة العمل على تحديد السياسات والإرشادات اللازمة لضمان استخدام تطبيقاته بشكل آمن وفعال، وتعزيز التدريب والتعليم للأفراد لتأهيلهم للاستفادة من التقنية بشكل فعال، وتطوير الإطار القانوني والأخلاقي للتعامل مع هذه التقنية.

وبخصوص تأثيراته المحتملة على التربية والتعليم، بيّن الخبير إبراهيم أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر بشكل كبير على التربية والتعليم، حيث سيمكّن من تحسين جودة التعليم وتوفير تجربة تعليمية مخصصة للطلاب، كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تحسين العملية التعليمية، وتحسين التقييم وتحسين تجربة التعلم، وتحسين الإدارة المدرسية، وتوفير إمكانيات تعليمية متقدمة، وتوفير تعليم عن بعد، ولكن كي يتحقق ذلك في التعليم وبشكل آمن وفعال، يجب التأكد من توفير البنية التحتية اللازمة، والتدريب والتعليم للمعلمين والطلاب، والتأكد من احترام الخصوصية والأخلاقيات في جمع وتحليل البيانات التعليمية.

 

أكثر وأكثر

ويجزم المهندس إبراهيم يوسف أننا ذاهبون للاعتماد على مخرجات الذكاء الاصطناعي أكثر وأكثر وسيدخل في كل مفاصل حياتنا التي لم يدخلها حتى الآن، ويضيف: حتى نتعامل معه يجب ألاّ ندير ظهرنا له، ونغمض أعيننا، وإنما بالمواجهة من خلال إيجاد  برامج توعية لأبنائنا تحاكي فئتهم العمرية، وتضافر جهود الأسرة مع المؤسسات التعليمية والمجتمعية لخلق جيل يتعامل مع تكنولوجيا المعلومات بأمان ويتجنب سلبياتها ويفيد المجتمع من ايجابياتها لأننا شئنا أم أبينا هي لغة الجيل القادم وركن أساسي من أركان التطور ولغة التواصل مع الآخر.

 

 لن ينتظرنا!

ولم يبتعد رأي مازن مصطفى من مؤسسة أداء لاستشراف المستقبل والحوكمة عن ما ذهبت إليه الآراء السابقة، فهو يرى أن التحول الرقمي أصبح في قلب تفكير كل فرد، بل ومؤثراً على سلوكياته، متسائلاً: هل هو التطور التكنولوجي أم قصور الوعي في مجتمعاتنا؟

ويعتقد مصطفى أن أهم تحصين لنا في مواجهة مخاطر الذكاء الاصطناعي هو بمواكبته بالعمل على إعداد جيل يعي تماماً وجهة المستقبل القادم حتى يكون شريكاً في صناعة هذا التحول الرقمي المتسارع الذي لن ينتظر تنامي وعينا المجتمعي.

والمشكلة برأي مصطفى أن البعض منا يريد ضبط تسارع التطور الرقمي اليومي في العالم على إيقاع عقارب ساعتنا التي عمرها سبعة آلاف عام وأكثر، فاليوم وبعد مئات السنين من استنزاف ممنهج لإرثنا الحضاري الذي طال التاريخ والبشر والحجر نقف أمام حرب الأجيال الرقمية، ومن غير المقبول أن نحجز مقعداً على مدرجات الملاعب ونطالب اللاعبين بالجلوس معنا ريثما نفكر ونخطط ونشكل لجان ولجان تشرف على اللجان لنقرر بعدها أن كل المنتخبات تتنافس للتآمر علينا!.

ويؤكد أن الذكاء الاصطناعي هو لغة العصر، وهذا الجيل يعي تماماً أنه هو شريان الحياة القادم فلا نفع من لجم إرادته، ولا أداة للجمه أصلاً، لأننا نعيش في قلب ثورة علمية جارفة ولا يمكن إيقافها، ومن يطالب بتقويض هذا التنامي العلمي في مجتمعنا بحجج غير منطقية عليه التنحي جانباً، فنحن نحتاج من يعي معنى الثورة الرقمية ويعلم بمدى وثمن خطورة عدم امتطاء ركبها.

 

حفيد شرعي!

إن تسخير التكنولوجيا لما فيه خير الإنسانية أمر ملح وضروري بحسب المهندس فراس زهيرة، وفيما يخص الذكاء الاصطناعي تساءل: هل هو فعلا محرك إنساني أم له جانب مظلم كالقمر؟!

وقال ذات يوم سُئل : غاندي عن أكبر عدو للبشرية فكانت إجابته بأنها هوليود، واليوم اعتقد أن الذكاء الاصطناعي هو حفيد شرعي لها بصيغة أخرى وبقيم أخرى ولهدف غير نبيل عالمياً.

 

ما يفيد هو الغاية

ولم يتردد آخرون بالقول.. إن الذكاء الاصطناعي إن شكّل فرصة لتطور البشرية لكن من الممكن أن يكون السبب بفنائها، وهو إن كان سبباً في إلغاء وظائف مستحدثة لكنه سيساعد في التطور بمعالجة مليارات المعلومات وتنسيقها و إعطاء مقتطفات أو ملخصات عنها.

ورأى البعض “أن أفلام الخيال العلمي التي كنا نشاهدها ومازلنا باتت أقرب من أي وقت مضى لتصبح حقيقة وهذا مرعب لأن الجانب المظلم فيها مخيف وقد يخرج عن السيطرة”.

وذهبت وجهات نظر أخرى إلى حد القول بأن الذكاء الصنعي ليس مبدعاً، بل ذكاء الإنسان بسبب اتكاله على (الآلة.. محركات البحث .. الروبوت) هو الذي تراجع، وما يريدونه هو تحديد البرامج التي يمكن أن تخدم المجتمع والابتعاد عن مسارات برامج تجتاح  الذكاء الإنساني، فالمسألة ليست محلية، بل هي مواجهه خطيرة وعالمية، لذلك تحديد ما يفيد هو الغاية.

 

بالمحصلة

استخدامات الذكاء الاصطناعي تتوسع وهي في صعود متسارع ولا يمكن إيقافها أو الوقوف مكتوفي الأيدي حيالها، خاصة أن الذكاء الصناعي أصبح جزءاً أساسياً من صناعة التكنولوجيا، حاملاً عبء أصعب المشاكل في علوم الحاسوب الحديثة.

هذه التكنولوجيا التي فرضت علينا، أو ستفرض علينا شئنا أم أبينا كما ورد في الآراء السابقة، تحتم علينا أن نكون فاعلين فيها لا منفعلين سلبيين أو مستهلكين، بمعنى علينا العمل على استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستفادة منها في المجال الذي يخدمنا، وهنا يمكن الإشارة إلى خطوة وزارة التربية في محاولة الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث أثارت منذ أيام الموضوع على صفحتها الرسمية لإبداء الرأي من أجل الوصول إلى مخرجات صحيحة قبل اتخاذ أي خطوة.، وحبذا لو تحذو باقي المؤسسات والوزارات حذوها لمعرفة ما يمكن الاستفادة من هذه التقنية والتخطيط لتفادي مخاطرها القادمة لا مجالة.

ويبقى السؤال الذي يشغل بال العالم كله والمتداول على كافة المنصات: هل سيندم العالم على إطلاق “وحش” الذكاء الاصطناعي في ظل ما يتم الحديث عنه من سيناريوهات رعب غامضة ؟!

لا شك أن القادم المتسارع في عالم التكنولوجيا المخيفة سيكشف كل التفاصيل  ليخبرنا ما إذا كان هذا “الوحش” مجرد كذبة أم حقيقية واقعة سنعترف ونسلم بها بسلبياتها وإيجابياتها شئنا أم أبينا!