الرئيس الأسد في قمّة جدة.. “الأمل بالعمل”
بسام هاشم
“الأمل الدافع للإنجاز والعمل”.. تلك كانت العبارة الاستهلالية التي بدأ بها السيد الرئيس بشار الأسد كلمته في القمّة العربية الثانية والثلاثين في جدة. وإن كان لهذه العبارة أن تحيلنا إلى حدث ما، فإنما تحيلنا إلى حملة “الأمل بالعمل” التي كانت شعار الحملة الانتخابية على مواقع التواصل الاجتماعي لترشيح السيد الرئيس بشار الأسد إلى منصب رئاسة الجمهورية. لخوض الانتخابات الرئاسية 2021. ولعل أول ما يمكن استخلاصه في هذا المجال هو ذلك الامتداد الواحد بين مستويي السياسة الداخلية والسياسة الخارجية (العربية هنا) في أداء أعلى مؤسسات الدولة السورية، على الأقل، بما يستدعيه ذلك من رؤية واحدة متكاملة ومتناغمة في التعاطي مع مختلف القضايا، وفي النظرة إلى السوري – كفرد ومواطن وابن بلد ورفيق كفاح – وحتى إلى الإنسان وإلى العالم.
وإذا كان من المفهوم أن واقع التخريب والتدمير الشامل الذي حلّ بسورية نتيجة الحرب الكونية (“كونية” بالمعنى الحرفي للكلمة) قد ترك ندوبه العميقة في نفوس وأرواح السوريين، بل في أجسادهم، فإن من المفهوم أيضاً أن صمود السوريين قد طوّر لديهم مهاراتٍ وقدراتٍ وحوافزَ إيجابيةٍ في التعامل مع تداعيات الحرب العدوانية على اختلاف أطوارها ومراحلها، طوال أكثر من عشر سنوات، وفي المقدّمة منها التمسّك بالأمل، ومنه إلى “الأمل بالعمل”.. “العمل” وليس “الفعل” وليس “ردّة الفعل”، بمعنى الاستجابة الواعية والعقلانية والمنظمة والهادفة، والتزام الآليات والضوابط التي تنتقل بنا “من مجرّد ردّة فعل، سريعة وانفعالية وعابرة، إلى استباق الأحداث”، أي – على الأرض – استيعاب كل مظاهر التدمير المنهجي الذي أُلحِقَ عمداً بسورية، وتخطّي واقع الصدمة، وتطوير الإرادة للانطلاق مجدّداً، وبأسرع وقت، لتجاوز مشهد الحرب بكل مفرزاتها؛ فالشعب الذي تمكّن من الحفاظ على بلاده في مواجهة هجمة عدوانية مديدة لا سابق لها تاريخياً، من حيث وحشيتها ودرجة حقدها وشموليتها الجغرافية وامتدادها في الزمن، واستهدافها للدولة والمجتمع، هو وحدَه الجدير والمؤهل لـ”القيامة” بها.
وفي قمّة جدة، جاءت مقولة الرئيس الأسد عن “الأمل كدافع للإنجاز والعمل” نوعاً من إسقاط خلاصة المحنة السورية، طوال عقد كامل، على الواقع العربي الراهن بكل تعقيداته الراهنة والماضية، إذ، وبعيداً عن المقاربات السطحية والمبتسرة، لن يكون بوسع أحد الادّعاء أن هذا الواقع (العربي) يسرّ صديقاً أو يغيظ عدواً.. على العكس، وفي قراءة معاكسة، فإن “الأخطار لم تعُد محدقة بل محققة”.. و”العناوين كثيرة لا تتسع لها كلماتٌ ولا تكفيها قمم”، و”القضايا التي تشغلنا يومياً من ليبيا إلى سورية مروراً باليمن والسودان.. وغيرها من القضايا الكثيرة في مناطق مختلفة”، إنما هي “نتائج لعناوين أكبر لم تعالج سابقاً، أما الحديث في بعضها فهو بحاجة لمعالجة التصدّعات التي نشأت على الساحة العربية خلال عقد مضى”، كما قال الرئيس الأسد في قمّة جدة.
وعليه، فالمسألة ليست عودة سورية إلى الجامعة، وليست – بالمقابل – عودة الجامعة إلى سورية، والقضية تماماً خارج مثل هذه المصادرات التي تبدو سطحية و”ماضوية” أمام مشهد الصحوة شبه الجماعية التي تجتاح الدول العربية (والتي توصّف جميعاً، في الصحافة الغربية، بأنها “أنظمة”، ودون استثناء)، وذلك على خلفيات متباعدة – وربما متضاربة – تتلاقى كلها عند نوع من الشعور الجماعي بأن العرب ومعهم “أنظمتهم!” كانوا ضحية “أنموذجية” و”مستدامة” للنفاق والتواطؤ الغربي الأمريكي – الأوروبي، والمعايير الـ”ألف” مزدوجة، وتلتقي عند نوع من الشعور بالقوة والنضج وامتلاك الذات، بما يكفي لصياغة القرار المستقل، وعلى النحو الذي يخدم مصلحة أبناء المنطقة العربية ومستقبلها، بعيداً عن الهيمنة الأوروبية والأمريكية التي تبدو اليوم مثيرة للاشمئزاز وللسخرية.
ليست سورية وحدَها التي عانت من الحرب والعقوبات ومحاولات التدخل الأجنبي، إذ تكفي نظرة عابرة وسريعة إلى دول المشرق العربي، وإلى دول الشرق الأوسط عامة – أو ما يطلق عليه الأصدقاء الإيرانيون في الجمهورية الإسلامية “غرب آسيا” -، لندرك حجم التدهور والتخبّط السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والروحي، ولنرى “بأمّ العين” كيف حوّلت السياسات الأمريكية المنطقة – التي كانت لعصور قريبة أرضاً للوحي، ومنبعاً للأديان والثقافات، وموئلاً للتجانس والتعدّد، ومهداً للحضارة الإنسانية كلها – إلى أرض خصبة للتطرّف والعنف والفوضى والدمار والكراهية، وكيف قضى مئات الآلاف من البشر في الحروب القذرة والإجرامية “اللانهائية” للآلة العسكرية الأطلسية، لا لشيء إلا لأنهم رفضوا “الديموقراطية” على الطريقة الغربية، التي تريد محو وإلغاء الاعتبارات والتقاليد والقيم الأسرية والاجتماعية والوطنية القائمة على أولوية الانتماء للمجتمع، التي تعكس روح الشرق ومعتقداته وسياقاته التاريخية. وبهذه الروحية، كان الرئيس الأسد حاضراً في قمّة جدة محذراً من “الذوبان القادم”، ومن الاتهامات التي تستهدف جعل العروبة “في حالة صراع مع المكوّنات الطبيعية القومية والعرقية والدينية، فتموت وتموت معها مجتمعاتنا بصراعها مع ذاتها، لا مع غيرها”.
لم تمرّ الحرب على سورية وحدها، كانت حرباً خرج الجميع منها خاسراً.. وكما أن الأمل بالعمل عكس حقيقة الانتصار على الإرهاب والتخريب، فلا شك سيعكس اليوم حقيقة الصحوة القومية الراهنة.