أخبارصحيفة البعث

فنزويلا واستكمال خطوات البناء اللاتيني الموحّد

تقرير إخباري    

في ظل ما يشهده العالم من صراعاتٍ ساخنة سببها تخبّطات الإدارة الأمريكية المتمسّكة بقطبيتها حتى لو على جثة أهم حلفائها وشعبها، نشاهد اليوم كيانات العالم الجديد تستكمل خُطاها بشكل سريع لتحقيق أحلاف كاسرة للعقوبات والهيمنة الأمريكية والغربية، وإسماع صوتها في عالم كان رهن قرارات غير شرعية من مؤسسات دولية تم تجيير قراراتها لمصلحة الغرب وقيمه الرأسمالية والنيوليبرالية التي طالما أنهكت دول العالم وزادت من سوء أحوالها عبر “الاستعمار الجديد”، كما نلاحظ تحرّكاتٍ في أمريكا اللاتينية تجسّد واقعاً تفاؤلياً تم بناؤه بصعوبة ومجابهة عمرها أكثر من عشرين عاماً، من خلال استكمال صعود اليسار واستلامه السلطة ضدّ اليمين الذي كان مرتهناً لحكومات واشنطن المتعاقبة التي كانت تحلم ببناء حديقة خلفية لها ضمن هذه القارة، ومن ثم رأينا تسارع خطوات كسر الحصار الغربي الذي طال العديد من دولها وعلى رأسها فنزويلا، ففي جائحة كورونا نجحت فنزويلا في الحصول على جرعات لقاح “سبوتنيك” الروسي، كما حصلت على قرض روسي طويل الأمد، ونشطت الاستثمارات الروسية في البلاد ضمن مجالي النفط والغاز وعددٍ من القطاعات الأخرى، فضلاً عن مساعٍ حثيثة تجري حالياً لرفع التبادل التجاري الثنائي إلى سقف الـ300 مليون دولار، ومع الصين التي أقرضت فنزويلا مبالغ مالية كبيرة مقابل النفط، إضافةً إلى التعاون والاستثمار في عددٍ من المجالات وخاصةً الزراعة والاتصالات، أما مع إيران فقد جرى تبادل النفط مقابل الذهب إضافةً إلى خطوات تعاون واستثمار في العديد من الصناعات. وقد تكاملت هذه الخطوات مع العديد من خطوات دول العالم التي ترزح تحت حصارات الغرب وإجراءاته الأحادية الخانقة التي تمثل ما هو أخطر من حقبة الاستعمار والاجتياحات العسكرية، لأن الحصار وفق تعبير الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا داسيلفا يستهدف حياة وسلامة الأطفال والنساء والشيوخ والمرضى وليس فقط فئة المحاربين والمقاتلين الذين يسقطون على الجبهات.

إن فنزويلا تشكّل لبنة قوية في تحقيق التكامل مع دول أمريكا اللاتينية نظراً لغناها باحتياطيات النفط والغاز الطبيعي، وغيرهما من الموارد الطبيعية المهمّة، في وقت يرزح جيرانها تحت وطأة أزمات اشتعال أسعار سوق الطاقة العالمي، إضافةً إلى الحصار الغربي المفروض على تلك الدول، وبالتالي ستشكل فنزويلا عامل استقرار وأمان للاقتصاد والطاقة في المنطقة، كما أن لفنزويلا تجربة اجتماعية غير مسبوقة في مقاومة ظروف الحصار يمكنها تعميمها بنجاح والإفادة منها على صعيد القارة، التي تعاني آثار الفقر والانعزال والانقسام في مجتمعاتها، ناهيك عن إمكانية انضمامها مع جاراتها بقوة إلى العديد من مبادرات كسر القطبية سواء التي حققت التجسّد والنجاح أو غيرها من الكيانات الجديدة التي ستحقق نجاحاً مؤكداً في القريب العاجل على مستوى كل عالم الجنوب.

من جهةٍ أخرى، تجسّد التفاؤل الكبير في التقارب التاريخي بين فنزويلا والبرازيل بعد فترة الجفاء التي سبّبها نظام الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو، الذي تماهى مع الغرب واليمينية لأقصى حدٍ، حيث بدأ الآن التحاق كاراكاس بركب مشروع الرئيس لولا داسيلفا، الذي يعمل جاهداً منذ وصوله إلى السلطة إلى إبعاد هيمنة الدولار في التعاملات التجارية مع كل الدول، وقيادة دور يوحّد الصوت اللاتيني ويقويه على مستوى العالم لتشكيل قطب صاعد قوي ومؤثر على مستوى الدول والمنطقة وحتى في أهم قضايا العالم وخلافاته المعقدة، كما يسعى مشروعه الحالي إلى الضغط على الولايات المتحدة لرفع كل العقوبات المفروضة على دول المنطقة، وإيجاد رؤية مشتركة على صعد الطاقة والصحة والبيئة والبنى التحتية ومكافحة الجريمة المنظمة والأمن الغذائي، بهدف تحقيق بناء قوي ضمن القارة اللاتينية يناهض الإمبريالية عبر قهر مشاريعها وقيمها الاستهلاكية بعد تجاوز عددٍ من الملفات والجوانب الهشة وعلى رأسها مشكلة البيرو.

بشار محي الدين المحمد