تسخين آسيا لا يخيف العملاق الصيني
ريا خوري
لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية يوماً عن خلق بؤر توتر جديدة في العالم بهدف الضغط على الدول المعادية لها ومحاصرتها، وخلق أجواء حرب متنوعة الشدّة والاتساع من أجل حمل تلك الدول على الخضوع للإرادة الامريكية، والتراجع عن سياساتها، والإبقاء على هيمنتها وسطوتها الدولية، وكل ذلك في سبيل تأخير أو تأجيل ظهور نظام دولي جديد متعدّد الأقطاب يكون للدول ذات القدرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية دور فاعل فيه.
بدأت ذلك منذ غزو نيكاراغوا عام 1833، ودخول قواتها إلى البيرو، واحتلالها أرضاً مكسيكية وضمها إليها، إلى خلق بؤر التوتر في أوكرانيا من أجل زعزعة استقرار وأمن جمهورية روسيا الاتحادية، كما تمارس الولايات المتحدة الأمر ذاته مع جمهورية الصين الشعبية من خلال رفع منسوب الأزمة التايوانية، ودفع تلك البلدان للحروب الدامية المدمرة، وممارسة أقسى أشكال العقوبات الاقتصادية والتجارية وحتى الثقافية ضد البلدين، مع إقامة أحلاف عسكرية وأمنية جديدة في المحيطين الهادئ والهندي على غرار اتفاقية “أوكوس”، إضافة إلى تعزيز الوجود العسكري الغربي الأوروبي – الأمريكي في منطقة المحيط الهادئ.
ليس هذا فحسب، بل قامت الولايات المتحدة الامريكية بتعزيز الشراكات الأمنية الاستراتيجية مع كوريا الجنوبية واليابان، حيث يمثل “إعلان واشنطن” الذي تم توقيعه بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، ويون سيوك يول رئيس كوريا الجنوبية، خلال شهر نيسان الماضي، والذي ينص على تشكيل ما بات يُعرَف بـ “المجموعة الاستشارية النووية” لمنطقة آسيا والمحيط الهندي خطوة خطرة باتجاه تصعيد الموقف في المنطقة برمتها.
وإذا كان “إعلان واشنطن” يستهدف كوريا الديمقراطية، كما يتضح من مضمونه، إلا أن المقصود به، ضمناً، جمهورية الصين الشعبية التي وجهت تحذيراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدعوتها إلى وقف الإثارة المتعمدة للتوترات والمواجهة والتهديدات، خاصة أن “إعلان واشنطن” بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية الذي أُقرَ يوم الأربعاء 24 أيار الماضي يعمل على تعزيز تعاونهما بشكل كبير في مجال الدفاع المشترك، بما يشمل النووي، من خلال تكثيف الاتصالات والمشاورات.
من الواضح أن هدف الولايات المتحدة الأمريكية من خلال ذلك هو تعزيز مظلتها الأمنية، وطمأنة حليفتها كوريا الجنوبية، كما أنها رسالة موجّهة عن قصد إلى الصين التي تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية التحدي الإستراتيجي الرئيسي لها في العقود المقبلة. كما يأتي ذلك في وقت عززت فيه الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الأخيرة علاقاتها في مجال الدفاع العسكري المشترك بشكلٍ كبير مع كل من أستراليا والفلبين واليابان.
من هنا نشأ العديد من التساؤلات التي من أهمها: لماذا أثارت “المجموعة الاستشارية النووية” كل تلك المخاوف؟ الجواب واضح وضوح الشمس، لأن المجموعة تُعتبر منصة جديدة غير مسبوقة وآلية للتشاور المنتظم بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية واليابان بشأن الردع الموسَّع، والتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، والتنفيذ العسكري والأمني واللوجستي المشترك في شبه الجزيرة الكورية، وتهدف أيضاً إلى تعزيز جهود مواقف ما يُعرَف بـ “الطوارئ النووية” ضد كوريا الديمقراطية، حيث تمّ تصميم المجموعة على غرار هيئة تخطيط السياسات النووية لحلف شمال الأطلسي “الناتو”.
هذه التطورات تأتي لترهيب جمهورية الصين الشعبية، رغم أن الإدارة الأمريكية تدرك أن العمل لرفع منسوب التوتر والقلق في المنطقة بشكلٍ عام، وفي بحر الصين الجنوبي بشكلٍ خاص، وتسخين بؤر صراع جديدة فيها لا يجدي في إخافة العملاق الصيني، وبالتالي، فإن الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية لن تؤدّي إلّا إلى زيادة مخاطر تهديد والسلام الأمن العالميين.