معركة أخرى في القارة الأوروبية
عناية ناصر
مع استمرار الأزمة الروسية الأوكرانية، أصبح الناتو يميل لزعزعة استقرار الأمن الإقليمي، فالوضع في البلقان على شفا الانفجار الآن وذلك إثر قوة حفظ السلام التي يقودها الناتو في كوسوفو، على الاشتباك مع المحتجين الصرب.
نشأ التوتر بعد أن تولى رؤساء بلديات من أصل ألباني مناصبهم في منطقة الأغلبية الصربية شمال كوسوفو بعد انتخابات نيسان الماضي التي قام الصرب بمقاطعتها. لذلك إن التوترات بين كوسوفو وصربيا ليست بجديدة بل هي طويلة الأمد، فقد كانت كوسوفو في الأصل مقاطعة ذاتية الحكم في صربيا في يوغوسلافيا السابقة. واليوم تسعى كوسوفو وبدعم من الولايات المتحدة والغرب إلى المضي قدماً على طريق “الدولة المستقلة”، و لهذا تبنت موقفاً متشدداً تجاه صربيا. لقد أدت مشاركة الناتو إلى تفاقم الخلاف بين كوسوفو وصربيا، وبالتالي إلى صراعات عسكرية بين الجانبين، وتقويض السلام والوحدة في غرب البلقان.
ومع تصاعد حدة الموقف، دعا الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ كوسوفو إلى تخفيف حدة التوترات مع صربيا، لكن الأمر المشكوك فيه هو ما إذا كان الناتو يريد حقاً وقف الصراع. وقالت قوة كوسوفو في بيان إن الوحدات متعددة الجنسيات التي يقودها الناتو تم نشرها في أربع بلديات في كوسوفو لاحتواء “مظاهرات عنيفة” عند محاولة رؤساء البلديات المنتخبون حديثاً في الأيام الأخيرة تولي مناصبهم.
يدعو الناتو إلى تخفيف التوترات من جهة، ولكنه يزيد من الوجود العسكري من جهة أخرى، وفي هذا السياق جادل المحللون بأن الناتو، على ما يبدو، يشتري الوقت فقط لتسليح كوسوفو. من خلال حروبها السابقة، بات من الواضح أن الولايات المتحدة بارعة جداً في التظاهر بالعدالة في وقف القتال، بينما تساعد على المقلب الآخر جانباً واحداً وتقف إلى جانبه، و تعمل على كسب الوقت لصالح من تدعمه من خلال الدعوة إلى وقف إطلاق النار.
إن الوعود التي قطعها حلف شمال الأطلسي، ودول غربية أخرى لحماية الصرب في كوسوفو، لا يمكن ببساطة الوفاء بها، وفي هذا السياق تحدثت صحيفة “فاينانشيال تايمز” عن أن مسعى الغرب لرأب الصدع بين صربيا وكوسوفو هو محاولة سيئة.
وفي سياق متصل، قال سونغ تشونغ بينغ، الخبير العسكري الصيني إن قوات الناتو لم تشارك حقاً في حفظ السلام في صربيا وكوسوفو، بل كانت تهدف إلى الحفاظ على الحقيقة الأساسية المتمثلة في “استقلال كوسوفو” وساعدت كوسوفو على قمع الصرب، فسيادة صربيا وأمنها القومي ليسا من أولويات الناتو.
بالإضافة إلى ذلك، لم يؤد الصراع الروسي الأوكراني إلى أي نتائج من أجل السلام، بل هناك احتمال للتصعيد، كما وتوجد هنالك احتمالية لتجديد الصراع في البلقان. ولأن الصراع الروسي الأوكراني لم يحقق التأثير المنشود للولايات المتحدة، فإن واشنطن وفقاً لـ سونغ “تحتاج إلى خلق حرب جديدة في القارة الأوروبية”.
من وجهة نظر الولايات المتحدة، لا تشعر واشنطن بالقلق من احتمال اندلاع المزيد من الحروب في أوروبا، لأنها ليست منخرطة بشكل مباشر في المنطقة، و يمكنها سحب قواتها العسكرية في أي وقت.
إن ما تأمله واشنطن في الواقع هو أن ترى الفوضى تعم في أوروبا، فضلاً عن فوضى الاقتصاد الأوروبي واعتماد أوروبا على الولايات المتحدة، وهي لا تريد وجود أوروبا موحدة وقوية. وفي الوقت نفسه، ونظراً لأن الصراع بين روسيا وأوكرانيا قد استهلك الكثير من الطاقة والموارد الأمريكية، فمن المرجح أن تنظر الولايات المتحدة إلى الخلاف المتفاقم بين صربيا وكوسوفو على أنه فرصة يمكن أن تستغلها في محاولة لإضعاف نفوذ روسيا في صربيا والبلقان. والهدف النهائي للولايات المتحدة هو أن تتكبد كل من أوروبا وروسيا خسائر، وهو ما يتماشى بشكل أكبر مع استراتيجيتها العالمية ومصالحها المهيمنة. والآن تنظر الولايات المتحدة إلى أوروبا على أنها براميل بارود، أحدهما في حالة حرب ساخنة، والآخر على وشك الانفجار، حيث تعتبر أزمة أوروبا من وجهة نظر واشنطن، فرصة للولايات المتحدة للاستفادة منها.