موفق مخول في صالة زوايا.. شارع مزدحم بين اللوحة والمتلقي
أكسم طلاع
استضافت صالة زوايا للفنون الجميلة بدمشق الأسبوع الماضي معرض الفنان موفق مخول الذي ضمّ مجموعة من لوحاته، عالج فيها حالة موحدة تمثل مجموعات من البشر تحتشد أمام قدرها الذي تزيّنه مجموعة من الكراسي وهالات الضوء المحيطة والقادمة من خلفية معتمة، مجموعات من الملامح الغائبة في عالم من الوجوم المغلف بالأمل المنتظر، يعبّر عنه مخول بهيولى الضوء التي يرسمها باللون الأصفر والبرتقالي يحيط بتلك العتمة والأجساد المتراصة أمام غيابها المحتوم في انتظار الأمل في حالة من القداسة والأيقونية، نعم هي لوحة أيقونية وليست دينية بقدر ما هي احتجاجية ومسالمة في الآن نفسه، وقد تتكرّر هذه المشهدية في جميع اللوحات حتى يخال لنا أن المعرض ما هو إلا لوحة واحدة، هي المدينة حين تتجرّد من عمرانها الهندسي البنائي وتبقي على أُناسها عراة من ظلمتهم وبؤسهم، تجدهم في طوابير وجماعات يحملون صمتهم وما يرتدون من ثياب غير ملونة!.
تتداخل اللوحة مع التجربة الإنسانية للفنان وتصبح قضيته الأهم، ولا يغيب عن فناننا المشغول بقضايا مجتمعه وخاصة الفقراء منهم، حيث لا يتردّد في الدفاع عن حيواتهم الرقيقة والمنهوبة، ويلحظ لنا خلال اليوميات التي يكتبها على جدار صفحته الزرقاء مدى الألم الذي يلتقطه من الشارع والمدرسة والوظيفة والبيت والسوق. ولا نغفل الاعتراف هنا بأن موفق مخول قد يكون أحد ظرفاء الحركة التشكيلية السورية الآن، أو أحد “ظرفاء دمشق”، لما يمتلك من روح كوميدية سوداء ومحزنة يخفيها أحياناً بكرمه وتواضعه أمام محبيه وأصدقائه.
اكتسب هذا المعرض صفة التكريمية منذ ساعات افتتاحه الأولى وقبل ذلك بأيام استمر حتى نهاية أيام المعرض، حيث ترافق بحفل موسيقي غنائي ومجموعة مشاركات عبر الفيسبوك تعلن عن فعالية المعرض من قبل معارفه، كما اختتم بندوة تعريفية وتكريمية بما أنجزه هذا الفنان بمشاركة فريقه المبدع “إيقاع الحياة” وهم كوكبة من الفنانين والفنانات العاملين في وزارة التربية وقد حققوا مواقع فنية في الشارع وأنجزوا أكثر من لوحة جدارية على جدران المدارس الخارجية، وأضافوا إلى إنجازاتهم متحف العلوم والمكتبة واحتفلوا مؤخراً بافتتاح لوحة جدار وزارة التربية التي تمتد مثل بقية اللوحات إلى عشرات الأمتار الحائطية التي أضحت من علامات جدران المدارس في المدينة، ولا نخفي أن هناك أكثر من رأي جمالي في هذا الشأن كون هذه الفنون تخصّ فنون الشارع أو فن المكان والبيئة؟!.
المهمّ أن هذا المعرض الذي اكتسب صفة التكريمية في خضم أسبوع تشكيلي شهد أكثر من مقام ومعرض احتفائي بفنان آخر يسعى بجدية نحو اكتساب صفة المعلم والمجدّد، لكن عفوية معرض مخول جاءت من تلك الشخصية المحبّبة للفنان الذي قضى عمره مدرساً وموجهاً لمادة التربية الفنية في وزارة التربية، هذا لا يعني أن أعمال المعرض غير معزولة عن تلك الدماثة، بل جاءت استكمالاً بصرياً ووجدانياً لما بدأه الفنان من بحث في أدوات التعبير عن الجمال والقول والدفاع عن ما يحب ويؤمن، لقناعة عميقة محمية بالسلام واللطف والسعي نحو العدالة والجمال.
موفق مخول من المؤكد أنه أحد بناة الأجيال والأكثر جمالاً ولياقة في وجه هذا العالم المحتشد بالعداء والمدجّج بالعزلة والقبح.