الغرب يعيد تدوير “النازية” ضدّ روسيا بمشهدٍ مشابه للحرب العالمية الثانية
البعث الأسبوعية – طلال ياسر الزعبي
بعد مرور نحو 78 عاماً على هزيمة النظام الألماني النازي بقيادة أدولف هتلر أمام الاتحاد السوفييتي، لا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد أن باستطاعتها استخدام هذا النظام مرة أخرى في حربها المستمرة منذ ذلك الحين لهزيمة روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي استراتيجياً والوصول إلى تفتيتها واحتلالها ونهب ثرواتها، بعد استنزاف قوّتها في حرب بالوكالة يشنّها النظام النازي الحاكم في أوكرانيا بمباركة غربية كاملة بغية تحقيق هذا الهدف.
والحقيقة أن مقدّمات الحرب العالمية الثانية ومجرياتها كانت تشير بوضوح تام إلى أن الدعم الغربي للنظام النازي بقيادة هتلر لم يتوقّف إلا عندما اقتنع الغرب الجماعي باستحالة هزيمة الاتحاد السوفييتي، فاضطر الأمريكيون والإنكليز لإعلان مساندتهم لموسكو في التصدي للغزو النازي، حيث استمرّ الطرفان في المماطلة في فتح الجبهة الغربية لتخفيف الضغط عن الجيش الأحمر ظنّاً منهم أن الأمر سينتهي بهزيمة الطرفين معاً ودخولهما معاً إلى أراضيهما، وهذه الحقيقة لا يختلف عليها اثنان في روسيا الآن.
وليس أدلّ على ذلك إلا ما قاله السياسي الديمقراطي الأمريكي، جيفري يونغ، من أن الولايات المتحدة تبنّت منذ سنين المخطط الألماني النازي الهادف إلى تفكيك روسيا، وإنها تحاول تنفيذه الآن بمساعدة النازيين الأوكرانيين.
وكتب يونغ في تغريدة عبر “تويتر”، “خلال الـ80 عاماً الماضية، كان لدى الولايات المتحدة هدف واحد من دعمها للنازيين الأوكرانيين، ألا وهو تفكيك الاتحاد السوفييتي، ومن ثم روسيا، وتحويل أوكرانيا إلى قاعدة ضخمة لحلف الناتو تستهدف روسيا، وأخيراً تفكيكها واحتلالها واستعباد الشعب الروسي، وهذه كانت أهداف النازية الألمانية”.
هذا الجانب تنبّه إليه السياسيون الروس مبكّراً، حيث حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مراراً من محاولات الغرب تفكيك روسيا والإضرار بأمنها، مشيراً إلى أن الغرب كان يأمل بانهيار روسيا عام 1991 نتيجة الاضطرابات التي عمّت البلاد، ولكن خاب أملهم لأن روسيا صمدت ونهضت من جديد أقوى من ذي قبل، لافتاً إلى أن المجتمع الروسي متماسك بطبعه، ولا يبخل بتقديم الدعم اللازم للجيش الوطني في مجابهة العدوان الخارجي.
ومن هنا تتبدّى أسباب الإصرار الغربي على دعم النظام الأوكراني في الحرب القائمة الآن بشتى الوسائل والسبل السياسية والعسكرية والمادية واللوجستية، حيث لم يتبيّن للغرب بعد مرور عام ونيّف على الحرب أن القوات الأوكرانية عاجزة عن تحقيق نصر أطلسي على روسيا بالوكالة، وبالتالي يحاول حلف شمال الأطلسي “ناتو” في اللحظات الأخيرة انتزاع هذا النصر العسكري على روسيا غير عابئ بكل النتائج المترتبة على وضع أوكرانيا، وخاصة إمكانية تحوّلها إلى دولة فاشلة، إذ أصبحت هذه الحرب بالنسبة إليه هي معركة الوجود الأخيرة التي سيتحدّد على أساسها شكل العالم الجديد، لأنه يدرك جيّداً أن الهزيمة هنا تعني هزيمة لمنظومة الغرب الجماعي بالكامل وانتقالاً لمراكز القرار إلى أماكن أخرى تفرضها معادلات القوة الجديدة في العالم.
ولذلك تصرّ واشنطن بالدرجة الأولى على تسريع ما يسمّى الهجوم الأوكراني المضاد، حيث أعرب مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، عن اعتقاد واشنطن بأن هجوم أوكرانيا المضاد المحتمل، سيسمح لكييف بالاستيلاء على مناطق ذات أهمية استراتيجية تخضع الآن لسيطرة روسيا.
وقال سوليفان في مقابلة مع شبكة “سي إن إن”: “نحن واثقون من أن الهجوم المضاد سيسمح لأوكرانيا باستعادة الأراضي ذات الأهمية الاستراتيجية من روسيا”، مؤكداً أن واشنطن تعتزم مساعدة كييف على تحقيق أكبر قدر ممكن من التقدّم في ساحة المعركة، لتكون في أفضل وضع ممكن على طاولة مفاوضات السلام المستقبلية، وفي الواقع هم يبحثون عن طاولة مفاوضات يستطيعون من خلالها فرض شروط الغرب الخاصة على روسيا، بمعنى أنهم يبحثون عن أيّ نصر عسكري يسمح للحلف الأطلسي بالخروج بماء الوجه من هذه الحرب التي يدرك جميع العالم أن الغرب هو الطرف الآخر فيها، وأن الدور الأوكراني ينحصر فقط في الاستخدام والعمالة.
وما يؤكد أن واشنطن تتوق إلى الحصول على نصر عسكري بأيّ ثمن، تصريح السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام، خلال زيارته إلى كييف، بأن فلاديمير زيلينسكي زوّده بـ”تحليل مفصّل” عن الخطط العسكرية الأوكرانية لشنّ هجوم مضاد، محاولاً النفخ في صورة زيلنسكي المهزوم بقوله: إن الجانب الأوكراني سيقدّم “عرض قوة مثيراً للإعجاب”، كما قال السيناتور: إن “الضربات، التي تتسبّب في إجهاد الدفاع الروسي، قد بدأت بالفعل”، الأمر الذي يؤكّد أن إجهاد روسيا هو مطلب أمريكي بامتياز ولا علاقة لأوكرانيا الدولة على وجه الحقيقة به، بل هي مجرّد أداة لتحقيق هذه الغاية.
ورغم أن روسيا حذّرت مراراً وتكراراً دول الناتو من أن إرسال أسلحة غربية إلى أوكرانيا سيجعلها هدفاً مشروعاً لروسيا، وأن دول الناتو “تلعب بالنار” بإمدادها بالأسلحة، يصرّ الغرب الجماعي على الاستمرار في هذه السياسة لأنه يعلم أن هذه هي المحاولات الأخيرة قبل الإعلان نهائياً عن هزيمة الحلف في المعركة وربّما بداية تفكّكه، لأن الهزيمة هنا ستوقف تمدّد الحلف الذي يعيش أساساً على التوسّع والتمدّد، والهزيمة في أوكرانيا تعني منع هذا التمدّد، رغم أن الحلف يمنّي نفسه بإمكانية التمدّد عبر فنلندا التي ضمّها مؤخراً إليه.
فتورّط حلف الناتو في نزاع أوكرانيا أمر مفروغ منه بالنسبة للجميع، لأن الحلف يصرّح بذلك علناً في جميع المناسبات، وهذا ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حيث ذكر أن الولايات المتحدة وحلف الناتو متورّطان بشكل مباشر في النزاع بأوكرانيا، “بما في ذلك ليس فقط توريد الأسلحة، ولكن أيضاً تدريب الأفراد.. في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا ودول أخرى”.
ورغم إعلان النظام الأوكراني في غير مناسبة أنه عاجز عن تحقيق أيّ خرق حقيقي في الجبهة، تصرّ الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية على إغراء هذا النظام بإمكانية تحقيق النصر عبر المزيد من ضخّ السلاح، وهذا يؤكّد من جهة ثانية أن الغرب لا يجد مشكلة مطلقاً في التعامل مع الفكر النازي بالمجمل ما دام هذا النظام سيحقّق له الغاية الرئيسية من الموضوع، وهي هزيمة روسيا، وبالتالي ليس غريباً أن يتم الربط الآن بين الدعم الغربي غير المعلن للنظام النازي في الحرب العالمية الثانية في مواجهة الاتحاد السوفييتي، والدعم الأطلسي المعلن الآن للنظام الأوكراني وريث النازية الهتلرية، لأن الهدف الغربي بالمحصلة هو احتلال هذا البلد واستعباده ونهب ثرواته.