“أكاديمية الضحك”.. مدرسة الكوميديا الهادفة والمسرح الساخر
آصف إبراهيم
على مدى ساعتين من الضحك المتواصل، تابع جمهور حمص العرض المسرحي “أكاديمية الضحك” القادم من دمشق على مسرح قصر الثقافة، وهو من إعداد وإخراج الدكتور سمير عثمان الباش أستاذ التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية عن قصة للكاتب والمخرج الياباني كوكي ميتاني التي أعدّها للمسرح عام ١٩٩٦ بعنوان “جامعة الضحك”.
في هذا العرض يعيدنا الباش إلى زمن المسرح الجميل والممتع الذي يتناول قضية من الواقع بأسلوب كوميدي ساخر ورصين نجح الممثلان لجين إسماعيل وكرم حنون في تقمّص روح النص ومحاكاة الواقع المحلي من خلاله، عبر أداء شخصيتي الرقيب على النصوص وشخصية كاتب النصوص “الدراماتورجي” وفهم ملامحهما بدقة عالية وواقعية متقنة، “لجين” بدور موظف الرقابة على النصوص و”كرم” بدور كاتب “الدراماتورجي”.
رغم طول مدة العرض التي تصل إلى حوالي ساعتين فإن الفعل الدرامي يأخذ خطاً متصاعداً يتطور فيه الحوار وتكتمل ملامح الشخصيات لتصل إلى ذروة النسق الدرامي، بفضل قدرة الممثلين العالية على فهم سيكولوجية الشخصية وتناغم الأداء فيما بينهما الذي جعل المتلقي في حالة يقظة دائمة متفاعلاً مع كل كلمة أو حركة أو إيماءة يقوم بها أحدهما دون الوقوع في شرك المبالغة والابتذال، فما بدأ في المشهد الأول استمر على الوتيرة ذاتها حتى النهاية.
يتناول العرض شخصية الرقيب على النصوص المسرحية بأسلوب تهكمي ساخر ويقدمه جاهلاً بالمسرح أميّاً بالفن والثقافة لم يسمع باسم شكسبير من قبل، ولهذا فقد عدل في النص الذي يقدّمه الكاتب بعنوان “روميو وجولييت” المقتبس عن نص شكسبير وقام بقص وتعديل مضمونه بما يتناسب مع التعليمات والسياسة الثقافية، ومحاباة للشخصيات المتنفذة ليصل في النهاية إلى نص مثير للضحك فعلاً، لكن العرض لا يحاكم هذا الرقيب أو يضعه في موقع المسؤول عن هذا الانحطاط الثقافي بل يتعاطف معه كإنسان وجد نفسه أمام تعليمات ومحاذير لا يستطيع الخروج عنها أو المناورة فيها، فهو شغل من قبل وظيفة مدير الرقابة الداخلية في المحافظة قبل أن تسند إليه مهمة الرقابة على النصوص المسرحية، أي أنه وضع في مكان ليس مكانه استخدمته السلطة لتنفيذ سياسة ثقافية بعيدة عن الفهم الحضاري للفن والثقافة ودورهما في خدمة الإنسان، لكن النص يكشف هذه الحقيقة في نهاية العرض عندما يقدمه كإنسان يمكن أن يقدّر جهد الكاتب المسرحي ويتعاطف معه عندما يدرك أهمية الجهد الذي يقوم به لإسعاد الناس وإخراجهم من واقعهم البائس عبر نصوص ترسم الابتسامة على الوجوه المنهكة، أي أن العرض لا يضع العلة في شخصية الرقيب بل في السلطة التي قولبت هذه الشخصية وكبلتها بمحاذير وتوجيهات غير منطقية، ولا تواكب المتغيرات الدراماتيكية في بنية المجتمع وصيرورة الواقع، ولهذا استطاعت شخصية الدراماتورجي أن تؤثر في شخصية الرقيب وتشدّه إلى المسرح بعد أن دخل في سجال طويل مع الكاتب حول دور الكوميديا في المسرح وقدرتها على رسم الضحكة على وجوه الناس، وإصراره على مواصلة الكتابة للمسرح متحدياً كل الظروف والمعوقات.
“أكاديمية الضحك” لم يكن عرضاً عادياً في ظل هذا التصحر المسرحي الذي تحتضر فيه المؤسسة المنتجة لأبي الفنون، بل جاء ليزرع شجرة مثمرة تعطي أكلها إن سقيناها وأنبتنا من ثمرها شجيرات أخرى.