إلياس أبو شبكة.. عائداً من الذاكرة
سلوى عباس
استحضر “مركز التراث اللبناني” ممثلاً بمديره الشاعر هنري زغيب الشاعر إلياس أبو شبكة من ذاكرة الغياب بندوة احتفالية تكريمية أقيمت في الجامعة اللبنانية الأمريكية بمناسبة الذكرى 120 لولادته في خطوة لاستذكار أعلام وأدباء لبنان كي يظلّوا في ذاكرة جيل جديد يتواصل مع تراث بلاده، وهذه خطوة تحسب للمركز في استذكار شاعر غنّى الحبّ بأصفى ما يكتب شاعر عن الحب.
إلياس أبو شبكة شاعر وأديب لبناني، أسس “عصبة العشرة” الأدبية الّتي ضمت عدداً من الكتّاب والأدباء اللبنانيين الذين ثاروا على الأساليب القديمة للأدب، وعملوا على كسر الجمود الفكري الذي كان في الحياة الثقافية العربية. اتسمت قصائده بالواقعية والنضج، لكنه رحل باكراً بصمت ومن دون ضجيج، أعلن رحيله بنبل وترك أهله ومحبّيه وكلّ ما جاهد من أجله في الحياة، لعله يكون ذكرى أو رسالة يكملها أحد من بعده، توقف ينبوعه دفعة واحدة عن التدفّق بعد سأم أصاب روحه من سرطان أنهك جسده فأعلن النهاية عن عمر 43 عاماً، ورغم حياته القصيرة إلا أنه أنتج الكثير من الإبداع الشعري والأدبي.
كان أبو شبكة كما يتحدث عنه أصدقاؤه “سريع الاندفاع وافر الحماسة، شديد التعصب لرأيه وقوله، وشعره خاصة، عنيف الرد على مناظريه، عصبي التعبير، لكنه بالمقابل يهدأ بسرعة ويعود صديقا مخلصاً وفيّاً، سليم القلب، طيّب السريرة، على إباء أنوف، وكبرياء تيّاهة”، ولم يكن يسعى بشكل مباشر إلى الإدهاش والتشويق في شعره وأدبه، بل كان يكتب نفسه كما هو، وينقل إلى القرّاء نبضه وكل ما يختلج في روحه، دون أن يفقد خصوصيته التي كانت تحضر حتى في الشأن العام، فجمهوره كان من الناس الذين يشبهونه.
الموضوعات التي تناولها أبو شبكة في أعماله حملت جرأة تجلّت بالتحريض على الوعي، والانفتاح على الداخل الإنساني، وهذا الموضوع لم يكن لديه حدود عنده، فقد كان عالمه من الفرادة والتميز أنه استطاع أن يتمثل ما عرفه ويفيد منه جيداً، فشكّلت نسيجاً متآلفاً في كل ماكتب، وامتاز بشيئين ثمينين الأول هو هذه الرؤية المتفردة للواقع، واقع القهر والتخلف وافتقاد الحاجات الأساسية والتوق إلى إشباعها، والثاني هو هذه الصياغة الشعرية التي تستخدم عناصر الواقع حيناً فتجعل من تراكمها عالماً شعرياً موحياً، أو تكثفها حيناً وتقدم لها مقابلاً تعبيرياً نابضاً بالحياة لا توليداً ذهنياً فاتراً يفتقد الصدق والحرارة.
ولد أبو شبكة في 3 أيار 1903 لعائلة لبنانية شهيرة، واهتم بالشعر في سن مبكرة، إذ كان نجل أحد التجار، كما كان يتيم الأب في شبابه، وهي تجربة تميز أعماله السابقة، وقد آمن بالإلهام وشجب السيطرة الواعية في الشعر، وكانت بعض أعماله مثيرة للجدل في وقته، وقد دعا إلى تجديد وتحديث الأدب العربي، وألهم الأجيال القادمة من الشعراء، وتم الاحتفال بمساهماته في الأدب من خلال تحويل منزله في بلدته “زوق مكايل” إلى متحف ضم “متروكات” الشاعر من أهله وأقربائه وأصدقائه ومحبيه، إضافة إلى تراثه المخطوط والمطبوع، ليبقى متحفه ذاكرة حية لبيته الذي كان تعلقه به شديد الأثر.
في عام 1926، أنتج إلياس أول نتاجاته الشعرية “القيثارة” الذي كان مؤشراً على موهبته الواعدة، وفي عام 1928، أنهى “المريض الصامت”، وهي قصيدة سردية تعد واحدة من أشهر أعماله إذ تنبثق من وسط التقاليد الرومانسية الأوروبية، ومن ثم أخذت شاعرية إلياس سبيلها إلى النضج الفني في مطلع العقد الرابع من القرن الفائت، بعدما أصدر ديوانه “أفاعي الفردوس” عام 1938، الذي أحدث ضجة في الأوساط الثقافية العربية، حيث رسم بمهارة فنية عالية لوحات نابضة بالحياة لحالته النفسية الثائرة، وقد لعب هذا الديوان وأعماله الأخيرة دوراً مؤثراً في تطور الشعر والأدب العربي الحديث، وفي عام 1941، نشر إلياس كتابه الثالث “الألحان”، وهو قصيدة لحياة الفلاحين البسيطة، تلاه في عام 1944 “نداء القلب”، و”إلى الأبد”، حيث يعود إلياس إلى مناقشة مسائل القلب من منظور أكثر نضجاً تم نشر “غلواء” في عام 1945.
بالإضافة إلى الشعر، نشر إلياس عدداً من الدراسات بما في ذلك دراسة في الأدب المقارن تسمى رواية الفكر والروح بين العرب والفرنجة؛ والتي سعى فيها إلى إظهار وزن التأثير الفرنسي على الأدب العالمي. كما كتب مقالات طويلة حول لامارتين وبودلير وأوسكار وايلد، بالإضافة إلى ذلك، أنتج أبو شبكة سلسلة من صور الشخصيات الأدبية والسياسية التي نشرت لأول مرة في مجلة المعارض، ثم جمعت في مجلد يطلق عليه “اسم الرسوم”.
توفي إلياس أبي شبكة عام 1947 وبعد وفاته، جمع أصدقاؤه عدداً من الآيات والأعمال التي نُشرت في دوريات في كتاب أطلق عليه اسم “من صعيد الآلهة” في عام 1958.