العمل العربي المشترك.. قبل (إعلان جدّة) وبعده
د. عبد اللطيف عمران
من الصعوبة بمكان أن يجرؤ أحد من النظام الرسمي العربي، والرأي العام العربي على إشهار العداء صراحة لاستراتيجية (العمل العربي المشترك) على الرغم من أن هذا العمل هو اليوم في أسوأ تجلّياته عبر التاريخ، وهذا ما يظهر بوضوح من النقد البنّاء الذي تلطّف الرئيس الأسد في ذكر بعض من مظاهره بهدف تفعيل دور الجامعة العربية في دعم العمل العربي المشترك، وذلك في كلمة سيادته في القمّة العربية الثانية والثلاثين في جدّة.
من المهم في هذا السياق ذكر أن ما جاء في البيان الختامي للقمة تلك والذي سمّي بـ (إعلان جدّة) كان بمثابة تحوّل تاريخي إيجابي في خطاب مؤسسات النظام الرسمي العربي، وبما ينتظره الشارع العربي، وبما يجب أن يكون عليه قرار النظام الرسمي العربي وفعله، ولا شك أنه كان للأشقاء في السعودية دور محوري واضح ومشكور في هذا المنعطف الإيجابي الواعد، ما يستدعي إعادة التذكير ببعض ما نصّ عليه الإعلان:
(التأكيد على أهمية تعزيز العمل العربي المشترك المبني على الأسس والقيم والمصالح المشتركة والمصير الواحد… فإننا: – نجدد التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية… وندين بأشد العبارات الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية – العمل على تحقيق التنمية المستدامة… – ترسيخ تضامننا، وتعزيز ترابطنا ووحدتنا – تعزيز المحافظة على ثقافتنا وهويتنا العربية الأصيلة…)
ومما لا شك فيه، وللواقع والتاريخ، فإن أخطر التحدّيات التي يواجهها العمل العربي المشترك بمؤسساته وبأهدافه وبمصائره هو ما ينجم عن التحالف الصهيوأمريكي البغيض والمستدام تجاه هويتنا ووحدتنا ومصالحنا ومصيرنا المشترك، ولا أحد نابهاً بحاجة إلى توثيق هذا وتأكيده، فسيرورة هذا التحالف تؤكّد أن إعلان جدّة كان بمثابة صفعة كبرى لاستراتيجيته القائمة على الاحتلال والاستيطان واغتصاب الحقوق والعدوان والتهديد والغطرسة وزرع الفتنة وزعزعة الأمن والتنمية والاستقرار في هذه المنطقة من العالم. وهذا ما كان ليغيب عن الشارع العربي، ولا عن النظام الرسمي العربي قرابة قرن من السنين.
لا تخجل الإدارة الأمريكية وربيبها الكيان الصهيوني من استمرار تأكيد ذلك، وآية هذا ما سمعناه بالأمس من كلام بلينكن وزير الخارجية الأمريكي عشية سفره إلى المملكة العربية السعودية في معرض حديثه للجنة الشؤون العامة الإسرائيلية – الأمريكية (إيباك)، وتأكيده أن التزام بلاده بأمن (إسرائيل) حازم وغير قابل للتفاوض، وبأنها ستقدم أكثر من 3.3 مليار دولار لدعم غطرسة الكيان الصهيوني، وعزمها على مواجهة استراتيجية طهران ومحور المقاومة، مقابل دعم اتفاقات إبراهام للتطبيع بين كيان الاحتلال وأكبر عدد ممكن من الدول العربية -ما يتطلب التنبيه إلى شدة خطورتها-، مقدماً قراءة خاطئة للعملية الفدائية للجندي المصري على الحدود.. وبالتالي للعمل العربي المشترك بما في ذلك إعلان جدّة، وقافزاً فوق قلقه من استراتيجية الدبلوماسية السعودية الواعدة والمُراهن عليها عربياً وإقليمياً ودولياً بشكل بنّاء وإيجابي. إذ سبق حديثه وزيارته افتتاح السفارة الإيرانية في الرياض، وزيارة مادورو رئيس فنزويلا إلى السعودية، وتوجّه سعودي وطني وبنّاء ومستقل في أوبك +، إضافة إلى ذلك إعلان جدّة.
إننا في سورية، ومعنا أشقاؤنا في الوطن العربي نتطلّع بمزيد من الأمل والتفاؤل إلى إعلان جدّة وقمّتها الغرّاء، منطلقين من الأسس والقيم والثقافة والهوية الأصيلة التي نصّ عليها هذا الإعلان، والتي لطالما أكدته سورية في مختلف المناسبات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما ورد في كلام الرئيس بشار الأسد في 20/8/2017 في معرض حديث سيادته عن الأسس التي تبني عليها السياسة السورية، وهي:
(هوية سورية هي الهوية الوطنية، وهي موجودة وجوهرها هو العروبة بمعناها الحضاري الجامع لكل أبناء الوطن، ولكل أطياف المجتمع – كل ما يرتبط بمصير سورية ومستقبلها هو موضوع سوري مئة بالمئة – وحدة الأراضي السورية من البدهيات غير القابلة للنقاش على الإطلاق، لن نسمح للأعداء وللخصوم أن يحققوا بالسياسة ما عجزوا عن تحقيقه بالميدان، الحرب لن تغيّر شيئاً من مبادئنا ومازالت قضية فلسطين جوهرية بالنسبة لنا…).
لذلك، فالعمل العربي المشترك، والمشترك من الثقافة والقيم والهوية والمصير والمصالح، هو ثقافة وفعل وإرادة، ونحن على يقين بأن (إعلان جدّة) سيكون في هذا السياق خيراً على (المشترك) من العمل العربي وما يتصل به رهاناً على إيمان الأشقاء ولاسيما في السعودية وبراعتهم في إدراك مسارات التحوّل العالمي والتعامل معه ليكون في خدمة هذا المشترك وتحويل النص إلى فعل. وهذا لطالما ما افتقدناه، ونتطلع إليه بأمل وتفاؤل.