نقطة تحول بحاجة إلى صبر السوريين دمشق تعود إلى الساحة الدبلوماسية وتراهن على التحول في النظام العالمي
البعث الأسبوعية-هيفاء علي
عندما يقع حدث مهم سياسياً، فمن الطبيعي أن تهب الأقلام الحرة للحديث عنه، وتحليل ما يعنيه ذاك الحدث. وهذا الأمر ينطبق على الحدث الكبير الذي شهدته المنطقة العربية، والمتمثل بعودة سورية الى جامعة الدول العربية، حيث كتب جورجيوكافيرو، الرئيس التنفيذي لمجموعة الخليج، وهي شركة استشارية لتحليل المخاطر الجيوسياسية، وكاتب في مجلة “ناشيونال انترست”، ومعهد الشرق الأوسط، مقالاً تحليلياً حول عودة سورية الى جامعة الدول العربية، وعن أهميتها بالنسبة لسورية والسوريين، بقدر أهميتها بالنسبة للمنطقة عربياً واقليمياً.
أوضح كافيرو في بداية حديثه أن لقاء السيد الرئيس بشار الأسد في جامعة الدول العربية هو أول لقاء منذ 12 عاماً، كما كانت أول زيارة له إلى المملكة العربية السعودية منذ تشرين الأول 2010، مما جعل المملكة ثالث عضو في مجلس التعاون الخليجي -بعد عُمان والإمارات العربية المتحدة – للترحيب به في زيارة رسمية هذا العام، مضيفاً أن مشاركته في القمة شكلت نقطة تحول في عودة دمشق إلى الساحة الدبلوماسية للمنطقة، وإشارة على وجود إرادة جماعية لمعظم الحكومات العربية، لإعادة دمج سورية في الحضن العربي وإنهاء لعزلتها.
ومن ثم استحضر الكاتب كلمة السيد الرئيس بشار الأسد في القمة عارضاً فحواها العميق، لافتاً إلى أنه بينما كان الرئيس يحتضن إخوانه العرب، هاجم تركيا و”إسرائيل” خلال خطابه. وعلى الرغم من التحرك التدريجي لدمشق وأنقرة نحو المصالحة برعاية روسية، فقد أدان الاحتلال العسكري التركي في شمال سورية، ورعايتها لمختلف لتنظيمات الارهابية، مستشهداً بـ “خطر الفكر التوسعي العثماني والإخوان المسلمين”. وأضاف الكاتب، أنه من المحتمل أن يكون لكلمة الرئيس بشار الأسد صدى لدى بعض المشاركين الذين تشارك حكوماتهم رؤية سورية “للإخوان المسلمين” كمنظمة إرهابية، وبينما تميز خطابه بخطاب ورمزية هامة، يبقى السؤال ما إذا كانت عودة سورية إلى جامعة الدول العربية وترحيبها الحار بالمملكة العربية السعودية ستجلب التغييرات الملموسة التي تحتاجها البلاد بشدة. وهنا عرض الكاتب أربع من أكثر القضايا إلحاحاً التي تواجه سورية اليوم، والتي يمكن حل كل منها عبر المنطقة، إذا تمت السيطرة على الضغوط الغربية.
أولاً: الالتفاف على العقوبات
بينما تضاعف واشنطن جهودها بشأن ما يسمى “قانون قيصر” الخاص بها، ستسعى الحكومة السورية إلى إيجاد دول عربية شريكة للمساعدة في الالتفاف على هذه العقوبات أو تقويضها، وابتكار تكتيكات للقيام بذلك. وحتى الآن، أدت العقوبات الأمريكية المعوقة على سورية إلى ردع أغنى دول مجلس التعاون الخليجي عن الاستثمار في إعادة إعمار البلاد وإعادة تطويرها. في هذا السياق يقول كميل عطرقجي، وهو من مواليد دمشق ومقيم في مونتريال، لصحيفة ” ذا كريدل”: “الدول العربية تجد نفسها حالياً تستفيد من الإرجاء المؤقت للعقوبات المنصوص عليه في الرخصة العامة لمدة 180 يوماً الصادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية،رداً على الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في 6 شباط الماضي”. علاوة على ذلك، دخلت هذه الدول في اتفاق مع إدارة بايدن، مع الاعتراف بأن التعامل مع سورية يمكن أن يؤدي إلى نتائج مفيدة للطرفين، ومع ذلك، هناك طرق غير مباشرة يمكن للعرب من خلالها تقديم الدعم للحكومة السورية دون تجاوز حدود العقوبات القائمة.
حقيقة، وبحسب الكاتب، يحاول القادة السوريون تخفيف قبضة العقوبات الأمريكية بمساعدة أعضاء آخرين في جامعة الدول العربية، وخاصة تلك التي لها نفوذ كبير في واشنطن مثل الإمارات العربية المتحدة. كما لدى الدول العربية أيضاً خيارات للتعامل مع سورية بطرق قد تفلت من رادار وزارة الخزانة الأمريكية بالعملات المحلية، على سبيل المثال، إذ تتضمن هذه الخطوات المرور بالروس والإيرانيين، أو بناء علاقات من نوع المقايضة وشراء أسهم طويلة الأجل للأشياء التي يتم إنشاؤها في شكل تحويلات مباشرة للعملات الإقليمية. وهو ما أكده أيضاً الدكتور حسين إيبش، الباحث المقيم البارز في منطقة الخليج العربي، من معهد الولايات في واشنطن العاصمة، لشبكة ” سي إن إن” مؤخراً.
بغض النظر عن كيفية تعامل الرئيس الأمريكي جو بايدن، أو خليفته في نهاية المطاف مع سورية و”قانون قيصر”، يمكن للمسؤولين في دمشق أن يدركوا أن الوقت في صالحهم، على الرغم من الحاجة إلى الصبر، اذ تراهن الحكومة السورية على ظهور نظام عالمي جديد أقل تمحوراً حول الغرب وأكثر تعددية الأقطاب في السنوات القادمة.
في الواقع، بينما يتجه العالم نحو إزالة الدولار، سيكون للعقوبات الأمريكية تأثير أقل في كل مكان، وقد تكون العواصم العربية المؤثرة مثل أبو ظبي والرياض، التي تتعامل الآن بشكل علني مع روسيا وإيران والصين، التي تفرض الولايات المتحدة عقوباتها الجائرة عليها، أقل ردعاً عن التعامل مع سورية. وقد يتردد آخرون أكثر اتساقاً أو اعتماداً على واشنطن في القيام بذلك، وهذا هو السبب في أن دمشق قد تأمل في أن يمهد السعوديون والإماراتيون هذا الطريق أولاً.
ثانياً: دور إيران
يمكن للحكومات العربية الحريصة على إعادة سورية إلى جامعة الدول العربية أن تحاول الاستفادة من هذه العلاقات لتقليل دور إيران في الدولة التي مزقتها الحرب. في الوقت الراهن، وبحسب نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية حسام زكي، فإن أعضاء المؤسسة وضعوا جانباً مطالبهم بانسحاب القوات الإيرانية من سورية.
إذا كان هذا صحيحاً، فسيكون تنازلاً كبيراً من دول مجلس التعاون الخليجي، وهو تنازل من شأنه أن يعزز شعور طهران بالثقة في المنطقة بعد الاتفاق الدبلوماسي مع المملكة العربية السعودية في 10 آذار الماضي، والذي خفف الإغلاق الإقليمي للجمهورية الإسلامية. وعليه، يكاد يكون من المؤكد أن الدول العربية ستستمر في محاولة الاستفادة من إعادة الارتباط مع دمشق بطرق تقلل من اعتماد سورية الاستراتيجي على إيران، سواء كان ذلك واقعياً أم لا. و لكن العديد من الخبراء يشكون في أن المملكة العربية السعودية وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي / الدول العربية ستنجح على هذه الجبهة. وفي هذا الصدد، تقول الدكتورة مارينا كالكولي، الزميلة الباحثة بجامعة كولومبيا في قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا: “التاريخ مهم و التحالف بين سورية وإيران له أصل أيديولوجي، وهو مبني على القناعة بأن سورية وإيران ليس لهما المكانة التي تستحقهما في النظام الدولي. ولكن من غير المرجح أن تستبدل سورية تحالفها مع إيران ببعض الاستثمارات التجارية”.
ثالثاً: الاحتلال الأمريكي غير المشروع
هناك القضية الساطعة المتمثلة في الوجود العسكري الأمريكي غير الشرعي في شمال شرق سورية. وقد دعت الحكومة السورية مراراً وتكراراً القوات الأمريكية إلى مغادرة البلاد. واليوم، تحصل الحكومة على دعم أقوى من الدول العربية الأخرى، وكذلك روسيا وإيران والصين، فيما يخص هذا المطلب الشرعي. في أوائل شهر أيار الفائت، إلتقى مسؤولون مصريون وعراقيون وأردنيون وسعوديون مع نظرائهم السوريين، وأعربوا عن رغبتهم الجماعية في رؤية الدولة تسيطر على كامل الأراضي السورية. ويبقى سؤال مفتوح حول ما إذا كانت هذه الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة التي تدعم موقف الحكومة السورية من الاحتلال الأمريكي لسورية سيكون لها أي تأثير على سياسة واشنطن؟.
ومع ذلك، يشك بعض الخبراء في أن تؤثر عودة سورية إلى جامعة الدول العربية على الوجود العسكري الأمريكي غير الشرعي في سورية، حيث تستغل القوات الأمريكية المحتلة باستمرار الموارد الطبيعية للبلاد. هنا لفت الكاتب إلى أن ما سيكون أكثر أهمية بالنسبة لمستقبل الاحتلال الأمريكي للأراضي السورية هو نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2024،حيث سيكون هناك سيناريوهين محتملين يدفعان الجيش الأمريكي إلى الانسحاب من سورية: الأول، هو اتفاق مع الحكومة السورية، وهو أمر غير مرجح في المستقبل المنظور. والثاني، تكرار السيناريو العراقي وانسحاب القوات الأمريكية بسبب التكاليف الباهظة التي تدفعها سواء مادياً أو معنوياً.
رابعاً: أزمة اللاجئين السوريين
يشير الكاتب إلى أن هناك لغز ما يجب فعله مع أكثر من 5.5 مليون لاجئ سوري نازح خارج المنطقة. وكما أكدت الطريقة التي ظهرت بها قضية اللاجئين السوريين في الانتخابات التركية التي أجريت مؤخراً، واجهت الدول التي تستضيف ملايين النازحين السوريين منذ عام 2011 تحديات اقتصادية شديدة للقيام بذلك. واليوم، هناك ضغط قوي على هذه الحكومات للمضي قدماً في خططها لإعادة اللاجئين السوريين. وكجزء من محادثات التطبيع، شدد المسؤولون الأردنيون على الحاجة إلى تعزيز الاقتصاد السوري، ومنح العفو للاجئين حتى يتمكنوا من ضمان سلامتهم وأمنهم.
ولكن بالنظر إلى الواقع القاسي للظروف الاقتصادية والديناميكيات السياسية في سورية، ستتطلب المقترحات مزيداً من التخطيط والاستثمار والجدل حول الضمانات أكثر مما هو موجود حالياً. وبينما تضغط لبنان والأردن وتركيا من أجل العودة إلى الوطن، لا تزال الدولة السورية تربط عودة اللاجئين بإعادة الإعمار كشرط مسبق لعودتهم، باعتبار أن هؤلاء اللاجئين يجب أن يجدوا منازل ليعيشوا فيها. ولكن كيف يتم ذلك دون رفع أو الالتفاف على العقوبات الغربية التي تستهدف قطاع إعادة الإعمار في سورية؟.
ويضيف أن الرؤية السعودية في هذا الصدد تتوافق مع رؤية دمشق التي تربط عودة اللاجئين بتأمين البنية التحتية اللازمة، وتحسين الظروف المعيشية في سورية، مما يشير إلى نوايا السعودية للمساهمة في إعادة إعمار سورية، وفوز الجمهوريين في الانتخابات الأمريكية المقبلة قد يمهد الطريق، بحكم العلاقات الجيدة بين الحزب الجمهوري ودول الخليج، ولا سيما المملكة العربية السعودية، حيث يمكن أن تمارس الرياض بعض الضغط على رئيس جمهوري للتراخي بشأن سورية، والتأكد من أن واشنطن لن تعارضها.
التنازلات والتأهيل والمنافسات
واليوم، تنظر معظم الدول العربية إلى سورية بطريقة تعد خروجاً صارخاً عن هدف واشنطن بعزل ومعاقبة الدولة السورية حتى تنهار، ورغم ذلك، لا تزال هناك فجوة حول مدى استعداد هذه الدول للمضي قدماً مع سورية. أعضاء جامعة الدول العربية مثل مصر والأردن يتخذون خطوات تدريجية للغاية إلى الأمام، في محاولة لانتزاع تنازلات من دمشق مقابل كل خطوة على طريق التطبيع. من ناحية أخرى، يبدو أن دولاً أخرى مثل تونس والإمارات العربية المتحدة لا تطالب بشيء من الحكومة السورية مقابل المصالحة. ولا يزال هناك آخرون، مثل الوسيط الإقليمي عمان، الذين لم تنقطع علاقاتهم أبداً مع سورية، حتى عندما فعلت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ذلك.
لذلك ليس من المستغرب أن تستضيف مسقط، “مدينة المفاوضات السرية”، مؤخراً “محادثات سرية” مباشرة بين مسؤولين سوريين وأمريكيين لمناقشة مجموعة متنوعة من القضايا الملحة، بحسب الكاتب الذي أضاف أنه بعد خطاب الرئيس الأسد في جدة، تشعر الحكومة السورية بالقوة، وستحاول الضغط من أجل مزيد من الاندماج في الدائرة الدبلوماسية للعالم العربي مع تقديم أقل قدر ممكن من التنازلات، لكن الأمور تتغير بسرعة في الجغرافيا السياسية الإقليمية والعالمية، وبالتالي، كيف تختار الدول الأعضاء المختلفة في جامعة الدول العربية التعامل مع الحكومة السورية، وكيف تلعب خصومها ضدها، هذه الأمور ستصبح أكثر وضوحًا هذا العام والعام المقبل، بحسب الكاتب؟.