دراساتصحيفة البعث

تحديات أردوغان خلال ولايته الثالثة

عناية ناصر

أجرت تركيا انتخاباتها الرئاسية في أيار 2023، والتي أسفرت عن إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان لولاية ثالثة، وكان المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي قد تغير في تركيا منذ أن تولى السلطة في عام 2003، كما أنه اتبع سياسة خارجية جعلته في كثير من الأحيان على خلاف مع حلفائه وجيرانه .

يواجه أردوغان تحديات ملحة خلال ولايته الثالثة، منها الأزمة الاقتصادية، وأزمة اللاجئين، والانتخابات البلدية، والعلاقات مع سورية، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، حيث ستختبر هذه التحديات قيادة أردوغان ورؤيته لمستقبل تركيا.

تعتبر الأزمة الاقتصادية التي تعصف بتركيا منذ سنوات من أكثر القضايا إلحاحاً بالنسبة لأردوغان، حيث تعاني البلاد من ارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض النمو، وارتفاع معدلات البطالة، واتساع العجز التجاري، وتضاؤل احتياطيات النقد الأجنبي. وفي ظل هذا الوضع الاقتصادي المأزوم فشلت سياسة أردوغان النقدية غير التقليدية المتمثلة في إبقاء أسعار الفائدة منخفضة، والاعتماد على مقايضات العملات، وضخها من الحلفاء في تثبيت الليرة التركية، التي فقدت أكثر من 40٪ من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي منذ عام 2020، ويخشى العديد من الاقتصاديين أن تتجه تركيا نحو أزمة ميزان المدفوعات ما لم تستعيد الثقة الدولية، وتجذب الاستثمار الأجنبي. وكان أردوغان قد وعد بهزيمة التضخم وبناء اقتصاد منتج في ولايته الثالثة، لكن سيتعين عليه اتخاذ خيارات وإصلاحات صعبة لتحقيق هذا الهدف. كما سيتعين عليه إما رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم والدفاع عن الليرة، أو خفض قيمة العملة لتعزيز الصادرات والقدرة التنافسية. إضافة إلى ذلك يتعين على أردوغان معالجة المشكلات الهيكلية للاقتصاد مثل انخفاض المدخرات وارتفاع الديون، وانخفاض الإنتاجية والاعتماد على الواردا.  علاوة على ذلك، سيتعين عليه التعامل مع العواقب الاجتماعية للصعوبات الاقتصادية، مثل الفقر وعدم المساواة والاستياء بين الطبقة الوسطى الحضرية.

والتحدي الرئيسي الثاني الذي سيواجهه أردوغان هو أزمة اللاجئين التي نجمت عن الحرب في سورية، وعدم الاستقرار في العراق وأفغانستان، حيث يتواجد في تركيا أكثر من 4 ملايين لاجئ، وكانت حكومة أردوغان قد تعرضت للكثير من الضغوط، و الاستياء والانتقادات من قبل بعض شرائح المجتمع التركي، والمطالبة بترحيل اللاجئين أو إعادة توطينهم.  وكان أردوغان قد استخدم بطاقة اللاجئين كورقة مساومة مع الاتحاد الأوروبي مهدّداً بفتح الحدود، وإطلاق موجة جديدة من الهجرة إذا لم تتلق تركيا المزيد من المساعدات المالية والدعم السياسي من بروكسل. وسيتعين على أردوغان إيجاد حل مستدام لأزمة اللاجئين خلال فترة ولايته الثالثة. كما سيتعين عليه إيجاد سبل التعاون مع المجتمع الدولي لحل مشكلة اللاجئين، والعمل من أجل إنهاء الصراع في سورية ودعم استقرارها.

التحدي الثالث أمام أردوغان هو الانتخابات البلدية المقبلة، والتي ستجري في  شهر آذار عام 2024، والتي ستكون بمثابة اختبار حاسم لمدى شعبية أردوغان وشرعيته، و تعتبر الانتخابات البلدية مهمة، لأنها تحدد من سيتحكم في الإدارات والخدمات المحلية في المدن والمناطق الرئيسية في تركيا. إضافة إلى أنها تعكس المزاج والرأي العام تجاه سياسات أردوغان وأدائه. وكان أردوغان قد تلقى انتكاسة كبيرة في الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت في عام 2019، عندما خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم السيطرة على إسطنبول وأنقرة وإزمير والعديد من المدن الرئيسية الأخرى لصالح أحزاب المعارضة، وكان ينظر إلى تلك النتيجة على أنها علامة على تراجع شعبية أردوغان. وكانت أحزاب المعارضة قد استفادت من انتصاراتها من خلال توفير خدمات أفضل وشفافية ومساءلة أمام ناخبيها. وفي هذا السياق سيحاول أردوغان استعادة مكاسبه التي خسرها في الانتخابات البلدية المقبلة، والحفاظ على قبضته على السلطة وتأمين إرثه.  سيتعين على أردوغان  استعادة ثقة ودعم الناخبين في المناطق الحضرية وخاصة الشباب والنساء والأقليات، ومعالجة مظالمهم ومطالبهم بمزيد من الديمقراطية والحرية والعدالة والتعددية. بالإضافة إلى مواجهة كتلة معارضة من شأنها أن تتحداه على كل الجبهات.

ويتعلق التحدي الرابع بعلاقات أردوغان مع سورية التي كان في حالة حرب معها منذ عام 2011، وعمل طوال فترة الحرب على التدخل في الشؤون الداخلية لسورية ودعم الجماعات الإرهابية المسلحة، والتدخل عسكرياً في شمال سورية لإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود التركية. وسيتعين على أردوغان أن يقرر ما إذا كان سيستمر في موقفه العدائي تجاه سورية، أو سيعمل على تغيير سياسته والتقرب منها، كما سيتعين على أردوغان أيضاً النظر في وجهات نظر ومصالح حلفائه وشركائه الذين لديهم أجندات وتوقعات مختلفة تجاه سورية.

أما التحدي الخامس أمام أردوغان فيتعلق بتطلعه للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كدولة كاملة العضوية، حيث كانت تركيا مرشحاً رسمياً لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ عام 1999، لكن عملية انضمامها متوقفة بسبب العديد من العقبات السياسية والقانونية والثقافية. وكان الاتحاد الأوروبي قد قام بفرض عقوبات على تركيا بسبب أنشطتها في التنقيب في المياه في شرق البحر المتوسط. وكان أردوغان قد  أعرب عن إحباطه وخيبة أمله من موقف الاتحاد الأوروبي تجاه تركيا واتهمه بازدواجية المعايير والنفاق والتمييز.

سيتعين على أردوغان أن يقرر ما إذا كان سيواصل أو يتخلى عن حلمه في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في ولايته الثالثة، وفي حال رغبته في الانضمام فسيتعين عليه إظهار استعداده لتلبية معايير الاتحاد الأوروبي وتوقعاته للعضوية، و تنفيذ الإصلاحات والتغييرات التي من شأنها تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون في تركيا، والتوافق مع القيم والمعايير التي يطلبها الاتحاد الأوروبي، والعمل على حل النزاعات والصراعات مع بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حول قضايا مختلفة مثل الهجرة والطاقة والأمن والاستقرار الإقليمي.