“الزلزال” برؤى تشكيلية
سلوى عباس
على مر العصور كان الأدب والفن مرآة تعكس الحياة الروحية والفكرية للإنسان، حاضناً لأسئلته العميقة حول الذات والعالم والمصير، وفي حالة الحروب والكوارث والأوبئة التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان يمكن للفن التشكيلي أن يكون هو الأسرع في تناول وتجسيد هذه المصائب الإنسانية، فاللون قادر على أن يستجيب لهذه الانفعالات وأن يؤرخ الواقعة، وقد أقيم في مركز الفنون البصرية معرض فني بعنوان: “الزلزال” كان نتاج ورشة أقامها المركز لعدد من خريجي كلية الفنون الجميلة، تلك الورشة التي تحمل خصوصية من حيث المعنى والمضمون لمفهوم الزلزال والأزمة التي مررنا بها نحن السوريين وكيف تكاتفنا مع بعضنا البعض، إضافة إلى أنها سمحت للمشاركين التعبير عن أفكارهم والحوار حولها بكل شفافية، فتجسد إحساس الشباب الفنانين والطلاب تجاه هذا الحدث بشكل فكري وروحي إذ حاولوا أن يعبّروا من خلال الشكل واللون والنحت عن أوجاعهم وآلامهم لكي تبقى تلك اللوحات محفورة في الذاكرة كصورة توثيقية لما حصل وكيف استطعنا أن نثبت محبتنا لبعضنا وأن المحن تجمع شتاتنا وما تفرق من قيمنا وإنسانيتنا.
تضمن المعرض مجموعة من اللوحات تفاوتت فيها رؤى وأفكار المشاركين حيث غمسوا ريشهم بألوان الوجع الذي عاشه بعضهم وعانوا مآسيه، ومزجوها بخيالهم الفني لتنتج لوحات تقارب الفاجعة، كما حملت اللوحات أفكاراً تفاؤلية بالحياة تؤكد على الإنسان كرمز للبقاء والاستمرار في الحياة، فمن اللوحات التي تلفت النظر تلك اللوحة التي عبّرت عن الألم الجماعي الذي عاناه المحاصرون تحت الأنقاض، ولوحة أخرى صوّرت تداعيات الزلزال وآثاره على نفسيات السوريين وأبرزت عمق الألم والأمل بعودة الحياة، وأهم ما عبّر عنه الشباب المشاركون هو الإنسان المتضرر الأكبر من الزلزال، كذلك عكست اللوحات مستويات جيدة تمثل مواهب الجيل الشاب الذي يتميز بفكر واعد يرفد الحركة التشكيلية السورية بدماء جديدة.
هناك لوحة أخرى تصوّر شخصاً تحت الأنقاض ينظر للضوء الذي يتسرب من بعض الشقوق، فيعيش مشاعر متناقضة بين الخوف من الموت والتفاؤل بلحظة الخلاص من الكابوس الذي يرزح تحته، وهذه الرؤية تمثل الوظيفة الأهم للفن الذي يعبّر عن مشاعرنا وإنسانيتنا.
ومن اللوحات المهمة تلك التي صورت تكاتف السوريين الذين تنادوا من كل المناطق السورية لنجدة أخوتهم المتضررين فشكلوا أمثولة للعطاء والتفاني الإنساني، وكانت هذه اللوحة رسالة أخرى تؤكد على أن الفن يعبر عن القضايا الإنسانية ويقدم رسائل ويعطي أمل كبير ودافع لمواصلة الحياة.
إن اختيار المشاركين في المعرض صوراً حقيقية لرسمها رغم كل الألم الذي تحمله، وإصرارهم على إضفاء ألوان مبهجة عليها يؤكد أننا رغم كل الألم متمسكون بالأمل. كفرصة للتعافي من الصدمة إثر الزلزال، وإخراج المشاعر وتفريغها من خلال الرسم، فجاء هذا المعرض معبراً عن الإنسانية التي تحدث عنها أحد الفنانين بأنها ليست دينا إنما رتبة يصل لها بعض البشر، وفنان آخر يقول: في اللحظة الأولى حينما زلزلت الأرض في وطني كنت مستيقظاً ولم أنم بعد، فقد اهتزت روحي مع تلك الزلزلة، وخاصة بعد أن جاءت الأخبار تباعاً عن سقوط منازل ووجود ضحايا.