ثقافةصحيفة البعث

دعاء البسطاطي في “رحلة عمر” مقارنة وقراءات سوداء

ملده شويكاني 

ترى، بماذا كان يفكر الرجل المسنّ الذي يضع النظارة الطبية ويمسك الكاميرا وتبدو الدهشة على ملامح وجهه التي رسم الزمن خطوطه المتعرجة عليها، فتعانقت مع شعره الأشيب؟ هذا الرجل ليس صورة فوتوغرافية، إنه بطل إحدى لوحات الفنانة التشكيلية دعاء البسطاطي في معرضها، الذي أقيم في المركز الثقافي العربي – أبو رمانة – بعنوان “رحلة عمر”. فامتدت بلوحاتها منذ الطفولة إلى الكهولة مختزلة رحلة الحياة عبْر تأثير مرور السنوات بكل ما تحمله من مشاعر مختلطة. اعتمدت فيه على فنية البورتريه بأسلوبها المتراوح بين الواقعية والواقعية التعبيرية وفق طريقتها بتقنية الرسم العكسي على الزجاج.

مشاهد كثيرة رسمتها البسطاطي لوجوه أتعبها الزمن اقتبستها من الحياة وربما من عوالم مخيلتها، فتباينت ببيئاتها وثقافاتها ومساراتها، ويبدو هذا من الثياب وتقاطيع الوجه والنظرة التأملية، مركزة على حركة اليد التي لها دلالات تومئ بالحالة التي تعيشها الشخصية، إضافة إلى تكرار وجود النظارة حتى في لوحات الوجوه الشابة بدلالاتها الرمزية، مع تفاصيل دقيقة لتغييرات أشكال عصابة الرأس السوداء والكوفية الفلسطينية والقبعة السوداء وخواتم سوداء أيضاً وساعة اليد، ولم تغب الموسيقا الممثلة بالكمان وآلة نفخية شعبية.

ثمّة خيط يربط بين هذه الوجوه يستشفه المتلقي من أثر الدهشة البادية على ملامح الوجوه بشكل مباشر أو بتورية خفية. ويبدو اللون الأسود طاغياً على اللوحات بالخلفية وحتى بتفاصيل تجسيد البورتريه والثياب وأدوات الشخصية، هذا اللون حاضر في أكثر أعمال البسطاطي حتى في لوحاتها عن حارات دمشق القديمة ومقهى النوفرة، وربما يعود إلى الدقة لإظهار لمعان الألوان.

ومن البورتريهات أوجدت البسطاطي حالة مقارنة بين الحالة المستقرة التي يعيشها الأطفال مع أهاليهم مثل اللوحة الكبيرة التي جمعت بين ثلاثة أجيال وجسّدت الأم وطفلها وكذلك الجدة وحفيدها، ولوحة أخرى تجمع بين الجد والحفيد أو بين هذين الجيلين، في حين تتطرق إلى لوحة طفل مشرد ظلمته الحياة، وأخرى تظهر الطفولة السعيدة بعزف طفل فرح على الكمان.

المشهد الذي غيّر من مسار المعرض حالة جسدتها بومضة عاطفية لرجل وإمرأة تشابكت نظراتهما وأرواحهما، بينما ركزت على حالات كثيرة لكبار السن يشعرون بالوحدة مع الحياة.

كما ارتبط المعرض بجزء كبير من حياة دعاء البسطاطي، إذ رسمت بورتريه لوالدها بإحساسها بآلام الفقد بتضافر الأبيض والأسود مع مسحات لونية أخذت طريقها على ملامح الوجه.

دار الأيتام والمسنين

وقد أوضحت دعاء البسطاطي في حديثها مع “البعث” أن رحلة عمر يسرد حكاية عمر منذ لحظة الولادة إلى لحظة الموت، ويحكي عن أطفال مشردين وآخرين في دار الأيتام، وعن أطفال يعيشون حياة جميلة ومستقرة مع عائلاتهم، كما جسّدت كبار السن، فأرادت في هذا المعرض تسليط الضوء على دار الأيتام ودار المسنين بالرسم العكسي على الزجاج من خلال مراحل بإضافة الألوان من لمعة حتى الخلفية.

ومن المعروف أن دعاء البسطاطي أكاديمية خريجة كلية الفنون الجميلة، شاركت بمشروعات إنسانية مع دول أوروبية ولها معارض فردية ومشاركات جماعية، وبعد تعمّقها بالرسم بالألوان المائية برعت بالرسم بالطريقة العكسية على الزجاج والتي اعتمدتها منذ سنوات.