مكاتب العز والرفاهية..!
بشير فرزان
انغماس الجميع في حالة الهموم، أو بالأحرى اللاوعي الحياتي، حالة طبيعية في هذه الظروف القاسية بكلّ ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، حيث تكثُر الصدمات التي تتطلّب من أي شخص محاولة إيقاظ نفسه على مدار الساعة. لكن وفي الوقت ذاته، فإن ما نعيشه في مختلف الميادين يستدعي من الجميع المشاركة الفاعلة في رفع الغطاء عن كلّ المتاجرين بلقمة العيش، وعن كلّ المحتكرين وغيرهم من حيتان السوق، سواء من التّجار أو العديد من المسؤولين الذين لا يعرفون أسعار الكثير من المواد الأساسية في الأسواق، وعدم علمهم يعود لأمرين: انشغالهم بقضايا بعيدة عن المصلحة العامة، أو انعزالهم في مكاتب العز والرفاهية المليئة بكل ما يحتاجونه ويشبع رغباتهم.
في المقابل، ومع التأكيد على أن أي جهة لن تكون قادرة على ضبط جموح الدولار وإخماد فورة الأسعار، لابدّ من فرض قوانين حازمة تُخرج لعبة الصرف من الاستثمار بحيث تلتزم اللجان والجهات الرقابية بواجباتها ومسؤولياتها وأدبيات عملها، وتتخلّى عن مبادلة آمال المواطن بالمكاسب الخاصة تحت عنوان الرشوة وبيع الضمير. وقبل ذلك كله عندما تكون المصلحة الوطنية قبلة لأحلام الناس وأفكارهم التي يجب أن تدعم في هذه المرحلة الحرجة بالأخلاق والعمل الوطني الحقيقي والمسؤول، سنصل في النهاية إلى ضفة الأمان وخاصة مع اشتداد صعوبة الظروف والإقرار بصعوبة ما هو قادم من موجات غلاء. فهل تتمّ الاستجابة لهذا النداء المعيشي الأخير؟ أم تستمر كرة الأسعار في التهام وابتلاع فرص البقاء والصمود الحياتي؟!
ويبدو أن الرهان على الناس بأنهم سيستمرون في ممارسة حياتهم الطبيعية وتجاوز الصعوبات، والتأقلم مع الظروف الجديدة التي نالت من لقمة عيشهم لن يكون رابحاً على الصعيد الاجتماعي والمعيشي وحتى الأخلاقي، فتسارع موجات ارتفاع سعر الصرف ووصوله إلى أرقام قياسية مقابل دخل المواطن المنهك أو المغييب قسراً في زحمة الأزمات التي يتعالى في ظلّ تداعياتها المعيشية أنين ليراتهم القليلة على ضجيج الصرف، سيؤدي إلى حالة من الفوضى والعبثية في جميع الأسواق وفي الحياة العامة، بعد أن تحوّل الكثير من الناس الذين يشتكون من الفساد إلى فاسدين من الدرجة الأولى ومتلاعبين أو مساهمين في لعبة مضاعفة الربح وبيع الضمير.
وهنا نؤكد أن مسؤولية ما يحدث على الساحة الاقتصادية المالية، واستقرار الحياة المعيشية، لا يقع على عاتق المواطن بل هو مسؤولية الجهات المعنية بكلّ تصنيفاتها الرسمية والمهنية. والسؤال الذي يُطرح هنا: هل يشعر الكثير من المسؤولين بمعاناة الناس بشكل فعلي، أم أنها تقف على أبوابهم الصماء، في وقت تستنزف الإمكانيات المالية للمؤسّسات بكل مستوياتها؟