دراساتصحيفة البعث

لو استمعت أمريكا لنداء الصين!

عائدة أسعد

كان الانفجار الأخير الذي وقع في سد نوفا كاخوفكا على نهر دنيبر شرق مدينة خيرسون نتيجة مأساوية للصراع المتصاعد في أوكرانيا، والذي يمكن ويجب حله من خلال وقف إطلاق النار والمحادثات.

لقد أدى انهيار السد إلى حدوث فيضانات، مما عرّض حياة عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء للخطر. كان من الممكن تجنب هذه الكارثة لو استجابت أوكرانيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي لنداء الصين والبرازيل، ودول أخرى بوقف فوري لإطلاق النار، وإجراء حوار دون أي شروط مسبقة لإنهاء الصراع.

ولكن لسوء الحظ، يبدو أن الكثيرين في الولايات المتحدة، وحلف شمال الأطلسي، والاتحاد الأوروبي يعتقدون أن المفاوضات ممكنة فقط بعد أن يحقق الهجوم المضاد الذي طال انتظاره في أوكرانيا النجاح، فقد قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين في فنلندا يوم 2 حزيران الجاري أنه لا يتوجب على واشنطن وحلفاءها أن يدعموا وقف إطلاق النار أو محادثات السلام حتى تكتسب أوكرانيا القوة ويمكنها التفاوض بشروطها الخاصة.

ومع ذلك، لا أحد، ولا حتى البنتاغون، واثق من نجاح الهجوم المضاد الأوكراني، وإن ما هو مؤكد أنه سيكون هناك المزيد من القتلى، وسفك الدماء والدمار من كلا الجانبين، وزيادة في احتمالية تحول الصراع إلى أعمال عدائية أوسع.

لقد تسبب الصراع في معاناة لا توصف ليس فقط لشعبي أوكرانيا وروسيا واقتصاداتهما، ولكن أيضاً لبقية العالم وخاصة الجنوب العالمي، كما أن الغرب الذي يمثله أكثر من 40 دولة وعدد سكان أصغر من الصين، يختلف تماماً في تحليل ساسته للصراع مع بقية العالم الممثلة بأكثر من 150 دولة.

وأما الناتو، وهو إرث الحرب الباردة، فقد كان يتوسع بشكل متهور باتجاه الشرق منذ التسعينيات، مما شكل تهديداً أمنياً حقيقياً لروسيا، ودول أخرى،حيث تعتبر محاولته الأخيرة لتوسيع نفوذه إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ خطوة استفزازية، وخطوة لزعزعة استقرار منطقة بعيدة عن شمال المحيط الأطلسي.

وحسب مقال للإعلامي فريد زكريا في صحيفة “واشنطن بوست” لم تعد الولايات المتحدة قادرة على افتراض أن بقية العالم يقف إلى جانبها من تركيا وجنوب إفريقيا والبرازيل إلى الصين والهند، واصفاً تلك الظاهرة بأنها صعود البقية ولاسيما البلدان التي كانت ذات يوم مكتظة بالسكان، ولكنها فقيرة وانتقلت من الهامش إلى مركز الصدارة.

وأما فيونا هيل، المسؤولة السابقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي، فقد أكدت أن هذه الدول الناشئة لا تصدق الولايات المتحدة وترى أن واشنطن نفسها مليئة بالغطرسة والنفاق.

لقد أظهرت الولايات المتحدة مثل هذه الغطرسة والنفاق عندما استخدمت كل الحيل لتقليص الصعود الاقتصادي والتكنولوجي للصين، وتشويه صورتها العالمية، حيث يعتبر صعود الصين قصة نجاح رئيسية للاقتصادات الناشئة، لكن واشنطن تعتبرها الدولة الوحيدة التي لديها القدرة على تحدي هيمنتها العالمية، على الرغم من تأكيد الصين أنها لن تسعى أبداً إلى الهيمنة العالمية.

يقول عالم السياسة صمويل هنتنغتون في مقال في عام 1997: “إن المسؤولية الرئيسية للقادة الغربيين هي إدراك أن التدخل في شؤون الدول الأخرى هو أخطر مصدر منفرد لعدم الاستقرار في العالم”.

لكن القادة الغربيين رفضوا الاستجابة لمثل هذه النصائح، وبدلاً من ذلك، استمروا في التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وإلقاء محاضرات على العالم النامي حول القواعد الدولية ومعاملتهم كدول قومية أدنى غير قادرة على اتخاذ قراراتها الخاصة.

في الواقع، كان الغرب يدق إسفيناً بينه وبين بقية العالم، وقد تجلى ذلك في قرار 150 دولة عدم الانضمام إلى الدول الغربية في فرض عقوبات على روسيا، والدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، والحوار لإنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا.