فقه التوحّش.. من “سيزر” إلى “هيمارس”
أحمد حسن
بصورة شبه يومية تتحفنا مراكز “الثينك تانك” الكبرى بمطوّلات بحثية عن التوحّش و”فقهه” في جهات الأرض الأربع، متجاهلة، بقرار واعٍ، مقرّ القيادة العليا لهذا “الفقه” المتمثّل بـ “واشنطن دي سي” كما يطلقون على العاصمة الأمريكية هناك.
والحال أنه لا يمكن فهم السياسة الأمريكية جيداً تجاه العالم كلّه، وسورية ضمنه، دون استخدام مصطلح “فقه التوحّش” كأداة تحليل جديّة ومناسبة لفهم مواقفها وتحرّكاتها، وهذا ما يساعدنا مثلاً في “فهم” قيامها بالأمس، بالتشارك مع عملائها، بقتل مدنيين في قرية سورية آمنة بريف الحسكة الجنوبي دون أي مبرّر، أو في فهم سرديتها حول قيامها مؤخراً بنشر منظومة صواريخ “هيمارس” المتطوّرة في سورية، التي برّرتها علنياً بأنها لحماية قواتها “الموجودة” هناك من هجمات متوقعة لـ “قوى محليّة”! فهذه “الفتوى” لا تبدو إلا كمنطوق “متوحّش” للتغطية على حقيقتين ساطعتين تقول أولاهما إن “وجود” قوات أمريكية في سورية هو احتلال سافر متكامل الأركان حسب قوانين الأرض وشرائع السماء، وإن “القوات المحليّة” التي تهاجمها هي مقاومة سورية شعبية مشروعة حسب كل بنود وفقرات تلك القوانين والشرائع، بينما تقول الحقيقة الثانية إن “التوحّش” هو مسار حياة وواقع يومي في حياة “روما العصور الحديثة”.
بهذا الإطار، يمكن قراءة “الاستنجاد” بهذه “المنظومة الصاروخية” المتطوّرة قراءة صحيحة تكشف لنا أن لها – أي لصواريخ “هيمارس” – معنى محدّداً ووظيفة واحدة، أما المعنى فهو اعتراف أمريكي صريح بتزايد قوة ونوعية المقاومة الشعبية لهذا الاحتلال وارتفاع درجة فعاليتها يوماً بعد آخر، وأما الوظيفة فهي تقديم الدعم والمساندة الميدانية لـ”سيزر” وما يتناسل منه ومعه من قوانين عقوبات جديدة في الاقتصاد، كما لمحاولتها في السياسة اختلاق كيانات “معارضة” جديدة عبر طريقة “الضمّ والتلزيق”، علّها تنجح، بعد تجميع تلك الخيوط الثلاثة وتشبيكها، بقطع الطريق على قيامة سورية وانتصارها الذي يترسّخ مع مطلع كل شمس.
ذلك هو جانب من “فقه التوحش” الذي تمارسه واشنطن، لكن “القارئ” السوري المتمرّس في تفاصيل “فقه” الدين والدنيا، لا تنطلي عليه هذه “البدع”، ففي الميدان رفع الشباب السوري المقاوم بالأمس شعار “لا للاحتلال” على جدران القواعد الأمريكية ذاتها التي جاء “هيمارس” ذاته لحمايتها، وفي السياسة تبدو المشاركة السورية اليوم في اجتماع عربي مع دول الباسفيك دليلاً بيّناً على تسارع خطوات عالم قادم.
بالمحصلة، واشنطن أدخلت “هيمارس” بالأمس، وقد تدخل منظومة أحدث منها غداً، لكن النهاية أصبحت واضحة لكل ذي عينين، فيوماً ما، وهو يقترب مع انقضاء كل لحظة، ستجرّ واشنطن خلفها ما يتبقى من هذه “المنظومة” وسواها وهي خارجة مدحورة مذمومة.. والأيام حبلى.