دراساتصحيفة البعث

هدنة اليوم الواحد.. لا منتصر في حرب السودان

ريا خوري 

توقفت الاشتباكات المتفرقة بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، وتحقق الهدوء النسبي في العاصمة الخرطوم، من خلال الهدنة. هذه الهدنة جاءت في الوقت المناسب لأسباب إنسانية، والأهم أن على طرفي الصراع  أن يعلما أنه لا منتصر في هذه الحرب، وأنها لا بد أن تتوقف مهما كلّف الأمر.

لقد تم التوصل إلى وقف إطلاق النار – تراقبه المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الطرفان المتحاربان – بعد معارك دامية استمرت خمسة أسابيع في العاصمة الخرطوم، واندلاع أعمال عنف في أجزاء أخرى من السودان، بما في ذلك منطقة دارفور غربي البلاد.

غاية الهدنة أن تكون فسحة تمهّد لخفض التصعيد، والسماح للمدنيين بالتحرك، وتلقي المساعدات الإنسانية الضرورية، والعناية بالضحايا من جرحى ومشردين وقتلى، فضلاً عن منح الجهود الدبلوماسية فرصة لدفع جميع أطراف الصراع إلى التعقل والجنوح إلى السلام، وتحقيق الأمن، لكن في الحالة السودانية، يبدو أن الهدنات المتكررة والمتعددة كانت مقدمات لعنفٍ أشد ومعاركَ أكثر شراسة وضراوة مما سبق، تماماً كما حدث إثر محاولة وقف إطلاق النار الذي امتد نحو أسبوعاً أواخر الشهر الماضي.

هدنة اليوم التي استمرت يوماً واحداً فقط، هي  التي سادت منذ أيام، والتي منحت سكان العاصمة السودانية متنفساً نادراً من المعارك الدامية، فلم تشهد خروقات كبيرة في ساعاتها الأولى، كما توقعت بعض الجهات، وأحيت الأمل بتوقف هذا الصراع الذي يقترب من شهره الثالث دون أن يرجّح منتصراً أو منهزماً لأحد الأطراف، وينذر بأزمة طويلة مديدة ومعقدة، لاسيما في ظل حالة الاستقطاب الحادّة بين طرفي الصراع، وتمدّد المعارك والاشتباكات إلى جبهات جديدة كانت بعيدةً عن ساحة المعارك.

لقد أسفرت التطورات المسلّحة عن مأساة إنسانية تكبر كل يوم وتزداد حدّتها وارتداداتها، وتدمير واسع لمقدرات الدولة السودانية من مؤسسات ووزارات وإدارات، إضافة إلى سفك الدماء بين أبناء الوطن الواحد. هذه الفتنة أصبحت كابوساً مزعجاً ومثيراً للفزع للشعب السوداني في معظم الولايات، وليس للخرطوم فحسب، وليس للسودان فقط، بل للمنطقة كلها، لأن التداعيات والارتدادات ستكون فوق الاحتمال إذا لم تتوف الأعمال العدائية الآن وفوراً، بخاصّة أن التجارب المشابهة في الماضي القريب أفضت إلى تشكيل دول فاشلة إدارياً على كافة الأصعدة، وشعوب مشرّدة ومستقبل بلا أفق.

غالبية الشعب السوداني والوسطاء الدوليين وحراك الدبلوماسيين المتواصل يطمحون إلى إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت حتى يتمكن اللاجئون والنازحون والمشرّدون من العودة إلى بيوتهم وأعمالهم، خاصةً في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور، والأسمى من ذلك حماية السودان وشعبه ومقدراته من شرور الفتنة والاستهداف المتعدد النوايا من أطراف داخلية أو خارجية. ففي أقل من ثلاثة أشهر بات نصف الشعب السوداني، الذي يعد خمس وأربعين مليون نسمة، بحاجة إلى الدعم المستمر، والنصف الثاني قد لا تتوافر له العوامل للصمود إذا طال أمد الصراع وتعدّدت ميادينه وجبهاته. ومما يؤلم أن عدد الشهادات الذي لا يحصى عن الانتهاكات الجسيمة بحق المدنيين، بخاصة النساء والأطفال، باتت حديث قيادات وشعوب الدول المجاورة ودول العالم، وهذه مؤشرات ستكون أشبه بمن يصب الزيت على نار هذه الفتنة الخبيثة.

 

هدنة اليوم الواحد قد تشجع الالتزام بها، وعلى تمديدها أو العمل على صياغة اتفاق جديد لمدّةٍ أطول تمهيداً لإنهاء القتال الدامي بما يمكن من تجنيب السودان المصير الأسوأ الذي تبدو مؤشراته الواضحة تتجه إلى انفلات أمني واسع من الصعب السيطرة عليه. ومن السيناريوهات المرعبة التي يمكن أن يتعرّض لها السودان، أن يمتد القتال بين الجيش السوداني الرسمي، وقوات الدعم السريع إلى ولايات وأقاليم أخرى ما تزال هادئة، وبعيدة نسبياً عن الاستقطاب والحراك العسكري، لكنها أشبه ببراميل بارود تنتظر فتيل النار لتنفجر وتدمّر كل من حولها.

كل المؤشرات تؤكد أنّ السودان في خطر، وعلى القادة ومن بأيديهم زمام الأمر أن يتحاوزوا الصراعات  وأن يترفعوا عن كل الخلافات البينية، وأن يخمدوا هذه الفتنة، والفتن التي تندس بين الشعب السوداني وقياداته في أسرع وقت، فما حدث  ويحدث لم يكن في دائرة التوقع قبل اندلاع هذه الأزمة الحادّة الدامية، أما وقد بدأ فإن العواقب ستكون  خطيرة ومدمرة ولا خير فيها لأحد، ولن تسفر عن منتصر ومهزوم لأن الكل سواء، ويخضعون لنفس الظروف والضغوط.