القضية الفلسطينية في عهدة الصين
هيفاء علي
أخفق وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين في الرياض في مهمّته بحمل المملكة العربية السعودية على منح اعتراف دبلوماسي “بإسرائيل”، وإنعاش اتفاق أبراهام المحتضر.
حول هذا الموضوع، أشارت وسائل الإعلام إلى أن بلينكين اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي عقب انتهاء المؤتمر الصحفي المشترك مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود لاطلاعه على الأمور. وبعد الرفض السعودي للولايات المتحدة، أعلنت بكين يوم الجمعة الماضي أنه بناءً على دعوة من الرئيس الصيني شي جين بينغ، سيقوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزيارة دولة للصين في الفترة من 13 إلى 16 حزيران الجاري. وفي اليوم نفسه، في المؤتمر الصحفي اليومي، تحدث المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين مشدداً على العلاقات الودية رفيعة المستوى بين الصين وفلسطين، مؤكداً عزم بكين على التوسط بين فلسطين “وإسرائيل”، ومشيراً إلى الدور العملي للرئيس شي. وبحسب وانغ، فإن القضية الفلسطينية هي لبّ مشكلة الشرق الأوسط، ولها تأثير كبير على السلام والاستقرار في المنطقة، وكذلك على الإنصاف والعدالة في العالم.
ولفتت الصحافة إلى الدعم الكبير الذي تقدّمه الصين للقضية العادلة للشعب الفلسطيني، واستعادة حقوقه الوطنية المشروعة. فعلى مدى عشر سنوات متتالية، بعث الرئيس شي جين بينغ برسائل تهنئة إلى الاجتماع التذكاري الخاص الذي عُقد بمناسبة اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وأوضح مراراً مقترحات الصين لحلّ القضية الفلسطينية، مؤكداً ضرورة الدفع بحزم لتسوية سياسية تقوم على حلّ الدولتين، وتكثيف الجهود الدولية من أجل السلام. وباعتبارها عضواً دائماً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ستواصل الصين العمل مع المجتمع الدولي لإيجاد حلّ شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية.
ما هو مؤكد أن القضية الفلسطينية هي لبّ الأزمة في الشرق الأوسط، وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، حاولت الولايات المتحدة و”إسرائيل” صرف الانتباه عن القضية الفلسطينية عن طريق تأجيج جنون العظمة بشأن التهديد الذي تشكله إيران على المنطقة العربية، ولكن مع عودة العلاقات الدافئة بين السعودية وإيران، يبدو أن واشنطن وتل أبيب قد تعثرتا. وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة “أزفستيا” الروسية أن المصالحة بين طهران والرياض تسير على قدم وساق، ونقل عن قائد البحرية الإيرانية العميد شاهرام إيراني الذي كشف أن عدداً من دول المنطقة من بينها إيران والسعودية ستشكل ائتلافاً بحرياً جديداً في المياه الشمالية للمحيط الهند. واللافت أن دولة الإمارات قرّرت مؤخراً الانسحاب من التحالف الأمني البحري بقيادة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، موضحةً أن هذا القرار جاء بعد تقييم طويل لفعالية التعاون الأمني مع جميع الشركاء. وبالتالي، تقترح طهران الآن تشكيل ائتلاف إقليمي، وبحسب وكالات الأنباء، فإن القوات البحرية لدول الخليج، بما في ذلك إيران والسعودية والإمارات وسلطنة عمان، ستشكل تحالفاً مع الصين، وقد شدّد الأمير فيصل على هذه النقطة خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع بلينكين بالإشارة إلى أن الصين شريك مهمّ للمملكة ومعظم دول المنطقة، وأعتقد أن هذه الشراكة أعطتنا، وكذلك للصين، مزايا كبيرة، ومن المقرّر أن ينمو هذا التعاون، وذلك ببساطة لأن التأثير الاقتصادي للصين في المنطقة وخارجها من المرجح أن يزداد مع استمرار نمو اقتصادها؛ فيما اعتبر خبراء موسكو أن التحالف الإقليمي سيكون تطوراً إيجابياً، لأن استقرار الوضع في هذه المنطقة سيكون له تأثير مناسب على المناطق المجاورة.
لقد أدركت إيران والمملكة العربية السعودية أخيراً أن لديهما مصالح مشتركة، وقد توقع معظم المحللين حدوث ذلك على المدى المتوسط. فقد كتب السياسي البارز في الكرملين أليكسي بوشكوف على قناته على” تلغرام” أن كلّ هذه الاتجاهات هي دليل على الاستقلال الجديد للبلدان في العالم غير الغربي، التي تطور علاقات مع بعضها البعض دون الكثير من الاهتمام بالولايات المتحدة.
وبالفعل، فإن الوساطة في التقارب السعودي الإيراني تضفي مصداقية على مبادرة بكين بشأن القضية الفلسطينية، وروسيا تؤيد هذه المبادرة بالكامل، كما تتفاوض موسكو أيضاً على عضوية المملكة العربية السعودية في “بريكس” لاتخاذ قرار سريع.
لقد أثبتت القضية الفلسطينية حتى الآن أنها مستعصية على الحلّ، لكن جوهر الأمر هو أن واشنطن تفتقر إلى التفاني والإخلاص في أهدافها، وأن السياسة الداخلية للولايات المتحدة كان لها أثرها، فقد نظرت للولايات المتحدة إلى أي تسوية فلسطينية في المقام الأول من منظور جيوسياسي، بهدف الحفاظ على هيمنتها الإقليمية، والسيطرة على سوق النفط، ومعاقبة إيران، واستخدام شبح إيران للترويج لمبيعات الأسلحة لاستبعاد روسيا من المنطقة، وقبل كلّ شيء، لإخضاع دول المنطقة لظاهرة البترودولار التي تدعم مكانة الدولار كعملة احتياطية.