شخصيات شكسبير.. في قبضة عروة العربي وطلابه
أمينة عباس
لم تعد مشاريع التخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية من الأمور الأساسية بالنسبة لطلاب المعهد، والتي تقدّم حصيلة نهائية لما تعلموه خلال دراستهم فيه ومنحهم الفرصة لمواجهة الجمهور والنقاد وحسب، بل بات واضحاً أن هذه المشاريع بات ينتظرها الجمهور المسرحي لأنها تُقدَّم بحِرَفية عالية ترقى لمستوى أهم العروض، وما مشروع تخرّج طلاب السنة الرابعة الأخير والذي حمل عنوان “ما لم يكتبه شكسبير” إلا خير مثال على ذلك، وما زالت أصداؤه تتردّد حتى الآن، وهو المشروع الذي أشرف عليه المخرج عروة العربي واستثمر فيه طاقات طلاب السنة الرابعة ليدخلهم في لعبته التي أتقنها حين قرّر القبض على شخصيات شكسبير وحجزها في قاعة ليعيد تشكيلها من جديد ويعبث بمصائرها كما يريد، بعد أن حوَّل شكسبير من كاتب إلى مدّعٍ، طالباً معرفة من قتله من بين هذه الشخصيات فعاشت فوضى الاتهام الذي أماط اللثام عن أسرارها وخباياها، لتتحول القاعة التي حُجِزت فيها ومُنِعت من مغادرتها إلى حلبة صراع كشفت أزماتها وما كان مستوراً فيها، طالبة في نهاية العرض من شكسبير أن يعيد كتابتهم من جديد بعد أن عبث بهم المخرج بشكل مجنون، قائلة: “تعال وطهّرنا من جميع آثامنا، تعال وأعد صياغة مصائرنا، وأعد لنا رشداً فقدناه لكثرة آلامنا، تعال وأعد كتابتنا وأعدنا صحائف بيضاء تنضحُ طهراً ونقاء، فقد اكتفينا ظلماً وطغياناً وسفكاً للدماء، تعال فقد مزَّقَنا اختلافنا وفرَّقتنا أعراقنا وأمسينا أضحوكة للدهر وقتلتنا آمالنا”، وقد تخلّلت العرض مبارزات وقتال مسرحي أداها الطلاب ببراعة وهي من تصميم علاء زهر الدين وعلي إسماعيل.
مشروع إبداعي طلّابي
وأشار د. تامر العربيد عميد المعهد العالي للفنون المسرحية إلى أن مشاريع التخرج تصدّر المستوى الأكاديمي والإبداعي للمعهد كمؤسّسة أكاديمية تعليمية تُقدَّم للوسط الفني المسرحي بالدرجة الأولى، لذلك يتمّ الحرص على اختيار المشروع الذي يناسب الدفعة في كل قسم، مع اختيار أستاذ أو مشرف على أرضية كفاءاته، والثقة أنه من الأسماء الموثوقة التي تُقدّم الطلبة بشكل لائق، وتؤمن أن العرض هو فرصة ثمينة لتقديمهم بحيث يأخذ كل طالب فرصته ليُقدّم نفسه ضمن هذا المشروع الذي لا يقدَّم خارج المعهد لأنه مشروع إبداعي طلّابي بالدرجة الأولى، برأيه، ويكرّس الحالة الإبداعية للمعهد الذي لا يسعى لتقديمه كعروض جماهيرية بقدر ما يسعى لتقديم عروض تقدم طلبتَه بشكل لائق إلى الجمهور، مع إشارته إلى أن عروض مشاريع التخرج تُقدَّم عادةً على مدار عدة أيام لتتمّ مشاهدتها من أكبر عدد ممكن من الجمهور الذي يحرص على متابعتها.
الطلاب هم الأساس
وبيَّن عروة العربي في تصريح لـ”البعث” أن العرض الذي قدّمه الطلاب هو خلاصة ما درسوه في المعهد عن المدرسة الكلاسيكية، مبيناً أنهم شاركوا في صياغته بجميع مراحله لأن المعهد العالي أكاديمية تعليمية، والعمل مع الطلاب هو الأساس، وقد تمّ الاشتغال على العمل معهم ارتجالياً للوصول بعد عمل وبحث طويل إلى النتيجة النهائية التي قدموها كمشروع تخرج بذل فيه الطلابُ جهوداً كبيرة، فكانت تجربة فنية حرص فيها العربي على تقديم الطلاب بشكل عادل ومتساوٍ، وكان أهم ما فيها روحها ومتعة الخوض فيها وعمق بحثها وعصفها الذهني والكثير من أحلام وآمال وأحزان وأوجاع وقلق وهموم الطلاب الذين نصحهم العربي ألا يهجروا المسرح بعد التخرج لأنه يحقّق لهم اللقاء المباشر مع الجمهور، وهو سحر لا يمكن أن يعوضه التلفزيون، وأن يعملوا على تحقيق معادلة ما بين العمل الثقافي المسرحي والعمل التلفزيوني بحثاً عن أجور تساعدهم في حياتهم بعد أن اتجه معظمُ خريجي المعهد إلى التلفزيون، مبيناً أنه يحبّ تدريس التمثيل في المعهد ليتعلم من الطلاب الذين يعيدون لروحه ألقها، وهذا ماكان في تجربة “ما لم يكتبه شكسبير” من تأثير على روحه وعقله، شاكراً المعهد الذي يتيح له القيام بذلك وطلاب هذه الدفعة المجتهدين والشغوفين والحالمين، متمنياً لهم التوفيق في حياتهم المهنية.
شركاء في المشروع
ورأى الخريج خالد النجار وهو الذي صاغ نص “ما لم يكتبه شكسبير” وأدى شخصية ماكبث أن أهمية التجربة له كممثل مع المشرف أ. عروة العربي تأتي من كونه أستاذاً لديه خبرة كبيرة في التدريس وقدرة على التعليم وإيصال الطلاب لصيغة معينة من الأداء الذي يخدم المسرح الأساس في دراستهم الأكاديمية، إضافة إلى تماشيه مع اقتراحات الطالب ومنحه الحرية الكاملة في البحث السيكولوجي والفيزيولوجي للشخصيات، وهي نقطة شديدة الأهمية برأي النجار بالنسبة للممثل ليبدع ويستمتع بما يقوم به، حيث يشعر الجميع أنهم شركاء في المشروع. وككاتب للصيغة النهائية للعرض أوضح النجار أن لديه محاولات في الكتابة منذ سنوات، ولكن لم تكن لديه الجرأة لطرح محاولاته باسمه قبل أن يتأكد من امتلاكه للمخزون الكافي لخوض التجربة، إلا أن تشجيع أستاذه عروة العربي وإعجابه بما يكتب وقيامه بصياغة مقترحاته في تجربة سابقة هي “الحضيض” باللغة الفصحى جعله يسند له مهمة صياغة نص “ما لم يكتبه شكسبير” نتيجةً لكمّ المعلومات المخزنة لديه وبحثه حول الكاتب وليام شكسبير وقراءاته لجميع أعماله ما سهّل عمله في صياغة النص، مشيراً إلى أن تحديات كثيرة واجهته أهمها قلة النوم لأنه كان مضطراً للدوام في المعهد لمتابعة دروسه وحضور البروفات كممثل، ومن ثم العودة للكتابة التي شكلت مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتقه لأنه يكتب عرض تخرج دفعتْه التي كان حريصاً على ألا يخيّب ظنها وثقتها، فكان هاجسه طوال الوقت تقديم نص يبرز قدرات وإمكانيات كلّ واحد فيهم، خاصة وأن فكرة العرض التي قدمها عروة العربي كانت ساحرة بالنسبة لهم، وكانت ثقتهم كبيرة بأنه سيحقق صدى كبيراً.
رؤية مسرحية جديدة
أثنى الفنان مصطفى الخاني الذي حضر العرض على الجهود الكبيرة والمميزة المبذولة فيه على كل المستويات، ورأى أن هذا ليس غريباً على عروة العربي الذي بات يمتلك تراكمية جيدة في المسرح تجعله يقدم في كل مرة رؤية مسرحية جديدة تثير الإعجاب، ويمنح من خلالها فرصاً متساوية للطلاب على صعيد كمّ التواجد على الخشبة والذين كانوا برأيه بمستويات جيدة جداً، مشيراً إلى أن فكرة العمل أعجبته كثيراً باستحضار العربي لشخصيات شكسبير وتحويله من كاتب إلى شخص يحاكم شخصياته، مبيناً للطلاب أن المشوار بعد التخرج قد بدأ ليقدم كل واحد منهم نفسه للوسط الفني، وهذا أمر ليس سهلاً في ظل المنافسة الكبيرة، وأن التخرج من المعهد يجب ألا يمنعهم من تطوير أدواتهم بشكل دائم مهما كانت النجاحات.
الطلاب المشاركون في المشروع: باسل عنيد، براء بدوي، تيما الفقير، جعفر مصطفى، حسن كحلوس، خالد النجار، شيراز لوبيه، عمر نور الدين، فارس جنيد، لانا الحلبي، مازن الحلبي، مراد انطاكية، مرام إسماعيل، ميرنا المير، ورد عجيب.. صوت شكسبير أ. فايز قزق، تصميم حركي رهف الجابر، تعاون فني حسن دوبا.