النص الأدبي بين المؤلف والقارئ
سلوى عباس
العلاقة بين النص الأدبي ومؤلفه وبين النص والقارئ، علاقة جدلية معقدة تناولتها مجموعة من الدراسات والأبحاث وصيغت على أساسها عدة نظريات تهتم بمختلف الأجناس الأدبية، لأن أركان الأدب تتمحور أساساً حول المؤلف والنص الأدبي والقارئ، ولابد للكاتب وهو يُقدِم على فعل الكتابة أن يستحضر مسألة القراءة والقارئ، وعلاقة القارئ بكاتبه لا تتوقف عند الأثر بوصفه وسيطاً بين الطرفين، إنما تصبح الشخصيات الأدبية جزءاً من ذاكرة القارئ الثقافية، وبالتالي يمثل الأديب جانباً وجدانياً بالنسبة لمتابعيه لأن زمن القراءة عامل مؤثر في تشكيل رؤية المتلقي للنص وتفاعله مع أجوائه، وإذا توقفنا عند مقولة الفيلسوف والناقد الفرنسي رولان بارت أن “المتلقي يعيد صياغة النص الأدبي” نرى هذه المقولة تؤكد شراكة الكاتب والمتلقي في المنجز الأدبي، لكن بالمقابل هذه المقولة حملت في ثناياها تباينات في أراء الكتاب حول حضور المتلقي لديهم أثناء إنجازهم لنصهم، فأحد كتاب الأدب والدراما جاء رأيه مجحفاً بعض الشيء بحق المتلقي سواء للأعمال الدرامية أم الأدبية، إذ يقول أنه لا يفكر بالمتلقي ولا يدعه يحضر أثناء الكتابة لا في الرواية ولا في الدراما بحجة أنه ليس بحاجة لرقيب آخر، فمن وجهة نظره أن ما يهدد الدراما هو التفكير بالمتلقي، وأن مهمة أسياد المهنة (الكاتب والمخرج والممثل) أن يقولوا للمتلقي ماذا يرى إذا قدموه له بشكل ممتع، ويرى أيضاً أن ما يحصل في أعمالنا الدرامية هو الخضوع لمجموعة أفكار متخلفة من قبل متلقين متخلفين، فشركات الإنتاج تحكمها مقولة أن الجمهور يريد هذا، وهو من أنصار أن المبدع هو الذي يحدد ماذا يقدم، فالجمهور يحب العمل الجيد، وأنهم كلما تقدموا خطوة، يأتي من يهزمهم عشرات الخطوات، وهذا الكلام يحمل خطورة كبيرة، فالهدم أسهل بكثير من البناء، وأن متابعتهم لأعمالهم تخسرهم معاركهم نتيجة الحوارات التي يطرحونها حول الأعمال الجيدة.
بينما رأي آخر يرى أنه في الكتابة بشكل عام ثمة عقد خفي بين الكاتب والمتلقي، وهذا تابع لنوعية القراء، فقراء الجريدة يختلفون عن قراء الرواية أو القصة أو الدراسة، ومهمة الكاتب هي أن يعبّر عن قضايا القارئ وهمومه بأسلوب جذاب ومشوق، وأن يكون للكتابة القدرة على التواصل معه حتى نهاية المادة المكتوبة، فالكاتب المحترف يعمل على إيصال ما يريد للمتلقي سواء عن طريق الفكرة أم الخيال أم اللغة وغيرها من الأدوات الفنية.
البعض الآخر من الكتاب يؤكدون على مقولة بارت بأن للمتلقي دوراً كبيراً في أدبهم، ويفترضون أنه هو من يضع النهايات أحيانا، ويعتمدون كثيراً على هذه الفكرة لأنه بدون المتلقي يعتبرون أن نصهم لا يكتمل، فهناك دائما الكاتب والمتلقي والنص المشترك بينهما، وأحيانا يتقاطعان في قراءاتهما، وأحيانا أخرى لا يرون أي تقاطع مع المتلقين، لذلك من الضروري أن يكون للمتلقي دلالاته التي تغني العمل الأدبي وتجعله متميزاً، وغالبيتهم يطمحون أن يضع القارئ دلالات ورؤى مختلفة عن التي يقدمونها هم في نصوصهم.
لكن هناك رأي ملفت ومقنع لروائي يحمل من المنطق والموضوعية ما يتناسب مع ظروف الكتابة والقراءة وما تعيشه من مزاحمة الفنون الأخرى لها في عصرنا الراهن، فهذا الكاتب لا يرهق نفسه بملاحقة القارئ، فهو يكتب علَّه بالمصادفة يخلق قارئاً يقرأه، لكنه بالمقابل يتساءل حول مواصفات هذا القارئ الذي ستخلقه المصادفة في زمن تتعدد فيه بدائل القراءة، ويضيف: إذا وجدت هذا القارئ فإنني لا أرغب بالمبالغة في ذكر مواصفاته، وأثناء لحظة الكتابة نفسها لا أفكر بالمتلقي أبدا، ولو أن المتلقي كامن في أعماق كل كاتب، وفي لا شعوره، لكن بالمعنى الواعي لحظة الكتابة لا حضور للمتلقي أبداً.