ثقافةصحيفة البعث

سينمائياً… “أماني” الأطفال لا تموت

نجوى صليبه 

لم يكن كريم (حمّود أبو حسّون) يعلم أنّه يخوض مباراته الأخيرة برفقة زملائه وأصدقائه في المدرسة، ولم يكن يعلم أيضاً أنّ علبة “التّنك” المطبقة على بعضها البعض التي تناقلتها أقدامهم عوضاً عن كرة القدم، هي آخر ما سيحمله في جيبه من أيّام طفولته البريئة هذه، ففور عودته إلى المنزل يستقبله زوج والدته (جمال العلي) بالشّتائم والضّرب كما كلّ يوم، لكنّه هذه المرّة أصدر “فرمانه” بمنعه من الذّهاب إلى المدرسة وإكمال تعليمه، ومساعدته في عمله بنبش القمامة.

وفي أوّل يوم يرافق فيه زوج أمّه إلى العمل بحزنٍ وأسى، يرى أصدقاءه وهم ذاهبون إلى المدرسة بفرح وسعادة وأمل، وبينما هم ينتقلون من درس إلى آخر، يتنقل هو من حاوية إلى أخرى، وعندما يعثر على أوراق وكتب يحتفظ فيها تحت ملابسه ليقرأها في المنزل ليلاً، إلى أن تقع بين يديه بضع أوراق ممزقة يرتّبها ليقرأ فيها قصّة طفلة اسمها أماني، تعيش مع زوجة والدتها التي تعنّفها، أي قصّة تشبه قصّته، فيحاول البحث عنها ومساعدتها. وفي اليوم التّالي يصعد إلى البناء الذي وجد الأوراق أمامه، ويطرق أبواب شققه، شقّة شقّة، ويسأل عن أماني، ويسمع في كلّ مرّة جواباً مختلفاً ممزوجاً بالقرف من منظره، أو بالتّقليل من شأنه والسّخرية منه، إذ تقول له إحدى السّيدات: “أمانك مو هون.. والأماني ماتت”، وهكذا إلى أن يقف أمام باب موارب يعبره بحذرٍ، ويختلس النّظر في بعض أقسام المنزل، ثمّ يلتقي بصاحبه وهو رجل كبير في العمر (أسامة الرّوماني) يجلس وراء مكتبه محدّثاً أوراقه، فيسأله بحدّة: “أين أماني؟ أنا أعرف أنّها هنا.. لن أذهب من دون إنقاذها”، لتأتيه الإجابة: “أماني مجرّد قصّة أكتبها، وأنت ألهمتني بكتابة نهاية مناسبة لها”. خبر صادم لطفل أراد بجسده النّحيل وبراءته أن ينقذ فتاةً من واقعها المرير، صادم لدرجة أنّه قرر التّخلي عن علبة “التّنك” التي يحتفظ فيها أينما ذهب، ورميها في حاوية القمامة، لتظهر له يد تكفّه عن ذلك، وكأنّما تقول له: “الأماني لا تموت”.

نهاية اقترحها الفنّان الرّاحل أسامة الرّوماني وتبنّاها كاتب ومخرج فيلم “أماني”، محمد سمير طحّان، لتكون بريق أمل لمستقبل أفضل لأطفالنا عموماً والأطفال الذين يشتغلون لمساعدة أهاليهم خصوصاً، يقول: الفيلم كان يسير على أكثر من مستوى، فهناك القصّة الواقعية، وهناك الإسقاطات في المسميات والكلام والحوار. والكاتب هنا يرمز إلى بعض المثقّفين المنظّرين الذين يدّعون الاهتمام بشؤون الطّفولة وهم في الحقيقة سلبيّون جدّاً تجاه مجتمعهم، فالكاتب هنا لم يرَ مشكلة الطّفل بل عبّر عن سعادته بإلهامه نهاية جميلةً لقصّته، واليد التي تظهر في النّهاية كانت اقتراح الرّاحل أسامة الرّوماني، ومن خلالها أردنا القول إنّ الأماني محبوسة وليست ميتة ويجب أن نحرّرها.

يتناول الفيلم موضوعاً اجتماعياً مهمّاً وهو عمالة الأطفال والاضطهاد الأسري، وقد حاول طحّان قدر الإمكان الاقتراب من هذا الواقع حتّى بشتائمه، يوضّح: الطّفل في الشّارع يسمع أقسى وأفظع من هذه الكلمة التي أتت عفوية أثناء التّصوير، ونحن حاولنا الاقتراب من هذا الواقع لكنّنا لم نتعمّق فيه كثيراً.

وبسؤال الطّفل حمود عن ظروف التّصوير ولاسيّما أنّه يتعرّض للضّرب، يجيب مازحاً: “كلّو تمثيل”، مضيفاً: تعبت قليلاً، لكن أحببت العمل مع الأستاذ سمير الذي اهتمّ فيّ كثيراً.. أمّا حلق الشّعره ففكرة لم ترق كثيراً لحمّود في البداية، وعندما أخبر والده، الممثل عادل أبو حسّون ـ يؤدّي دور أبو صطيف الذي يستغل الأطفال في مكبّ النّفايات – أجابه: لا علاقة لي بالأمر.. نشتغل ما يطلبه المخرج.

لكن هناك من اشتغل ما لم يطلبه المخرج، فالممثل جمال العلي نزل في حاوية القمامة من تلقاء نفسه، رغبة منه في أن يكون المشهد واقعياً وصادقاً ويخدم العمل. يقول العلي: تعبنا، لكن كانت أيّام التّصوير الأربعة جميلةً، وما كنّا نطمح إليه رأيناه ولمسناه في عيون وآراء من حضر العرض الخاصّ للفيلم.

موضوع اجتماعي مهمّ اشتُغل بتقنية حديثة وفنّية يوضّحها النّاقد السّينمائي نضال قوشحة بالقول: اشتغل طحّان على موضوع اجتماعي حسّاس على المستوى العربي والعالمي أيضاً، ونفد من المباشرة والتّلقين التي تذهب باتّجاهها هكذا أعمال، مستخدماً تقنية تصوير حديثة هي الكاميرا الطّائرة، والإضافة التي اقترحها الرّاحل أسامة الرّوماني فتحت آفاقاً جديدةً، مع العلم أنّه قبل الفيلم بـ 42 سنة لم يشتغل سينما أبداً.

عُرض الفيلم في سينما الكندي بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمالة الأطفال الذي أقرته الأمم المتحدة، وفي ختام حملة مكافحة عمالة الأطفال التي أقامها فريق “شمس” التّطوعي على مدى اثني عشر يوماً، بالتّعاون مع المؤسسة العامّة للسّينما التي تسعى ضمن توجهها إلى الاهتمام بشأن الطّفولة من خلال تخصيص مسابقة لاختيار سيناريوهات أفلام روائية قصيرة تُعنى بقضايا الطّفل، كما يبيّن باسم خبّاز، معاون مدير المؤسسة العامة للسينما، ويضيف: أطلقت المؤسسة هذه المسابقة قبل حوالي أربع سنوات، وفي كلّ عام يفوز واحد من السّيناريوهات، فتحوّله المؤسسة بدورها إلى فيلم سينمائي، ويأتي هذا الفيلم ضمن هذه الجهود، والنّص بالطّبع فائز بمسابقة السّيناريو.

بدوره، لفت قوشحة إلى الدّور المهمّ الذي يؤدّيه القطّاع الأهلي في السّينما، ويبيّن: المؤسسة ترحّب بأيّ فكرة تفيد المجتمع، في أي بلد لا يمكن للسّينما أن تقوم بجهود القطّاع الحكومي فقط، ويجب أن يكون هناك دور للقطّاع الأهلي.