لا يختلف الحال كثيراً عن سورية الولايات المتحدة تسرق نفط اليمن وتمنع وصول الإيرادات إلى اليمنيين
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
حرب خفية تُشن ضد اليمن، وهجوم متعدد الجنسيات على الموارد الطبيعية الحيوية للبلاد، فعلى مدى سنوات انخرطت الدول والشركات الأجنبية في عمليات نهب غير مشروعة للنفط والغاز اليمني، واستغلال الحرب التي شهدتها أفقر دولة في غرب آسيا.
لم تخلق الحرب التي تقودها الولايات المتحدة في اليمن أزمة إنسانية حادة على مستوى البلاد فحسب، بل أنها أدت إلى نشوء منافسة خارجية لنهب الموارد الطبيعية في اليمن، وخاصة النفط والغاز، فموقع اليمن الاستراتيجي وموانئه العديدة تجعله مركزاً مثالياً لنقل الموارد المسروقة بسرعة وبفاعلية.
في حين أن الحرب التي دامت ثماني سنوات قد خفّت حدتها إلى حد ما، وذلك بسبب محادثات السلام المباشرة الجارية بين الرياض وصنعاء، لا يزال استغلال هذه الموارد مستمر بلا هوادة، حيث تتنافس القوى المختلفة والدول الخارجية للسيطرة على هذه الموارد.
في الواقع، تخضع ثلاثة من حقول النفط والغاز النشطة لسلطة القوى الخارجية التي تقود التحالف في الحرب على اليمن، بينما تسيطر الحكومة “المعترف عليها دولياً” على محافظة مأرب الغنية بالموارد والتي تنتج النفط والغاز، وتخضع محافظة شبوة الجنوبية، بآبارها النفطية وخط أنابيبها، لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي.
من الناحية الفنية تسيطر الحكومة “المعترف بها دولياً” على محافظة حضرموت الجنوبية المشهورة باحتياطياتها النفطية، بينما تخضع موانئها لسلطة المجلس الانتقالي الجنوبي. ومنذ ذلك الحين، صعد الأخير من طموحاته الانفصالية، وركز أنظاره على المقاطعة الغنية بالموارد، وهو تطور من المرجح أن يتسبب في تضارب المصالح والوكلاء.
أدى الإغلاق القسري للأنابيب التي تربط المناطق الخاضعة لسيطرة اللجان الشعبية بالمحافظات الأخرى إلى الحيلولة دون وصول موارد النفط والغاز إلى صنعاء، ما تسبب في معاناة كبيرة لغالبية اليمنيين، حيث يقيم معظمهم في هذه المناطق.
دافع جيو-اقتصادي للحرب
في شهر آذار عام 2015، بدأت حرب التحالف على اليمن لدعم حكومة عبد ربه منصور هادي، وقد تسببت الحرب المستمرة على اليمن في خسائر مباشرة وغير مباشرة لقطاع النفط اليمني، حيث وصلت إلى أكثر من 45 مليار دولار. وفي غضون ذلك، يواصل التحالف بيع ملايين البراميل من النفط عبر الموانئ اليمنية بشكل منتظم.
على الرغم من أن وسائل الإعلام الغربية الرئيسية كانت جزءاً لا يتجزأ من الصراع المدمر، فقد قابلت حقيقة أن الحرب في اليمن قد أشعلت صراعاً جيوسياسياً للسيطرة على الموارد الطبيعية والاستيلاء عليها بالتجاهل، كما هو الحال في الانتهاكات المماثلة التي شوهدت في أجزاء أخرى من غرب آسيا، ولا سيما في سورية حيث تشرف القوات العسكرية الأمريكية على النهب اليومي للنفط والموارد الزراعية السورية.
الأطراف اليمنية المتنافسة
اليوم تراجعت حدة الحرب في اليمن على أثر المفاوضات الأخيرة بين الرياض وصنعاء، ومع ذلك أصبحت الأهداف الأصلية للحرب مشوشة بشكل متزايد، حيث يسعى شركاء التحالف المختلفون إلى تحقيق أجندات متباينة بشكل كبير. ومع تحول الحرب “القصيرة” إلى شهور ثم سنوات، سعى العديد منهم أيضاً إلى نهب ثروات اليمن لملء خزائنهم الفارغة، حيث تستمر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بتقديم الأسلحة والمعلومات الاستخباراتية والدعم اللوجستي من الظل، ولتعزيز مصالحهم الخاصة، قام كل عضو في التحالف بتأسيس وتسليح أدواتهم الخاصة في اليمن، إذ يمارس المجلس التشريعي والمجلس الانتقالي الجنوبي والفصائل التابعة لهما السيطرة على المحافظات الغنية بالموارد، فضلاً عن جميع الموانئ والممرات المائية الرئيسية في اليمن تقريباً. وفي المقابل، تمارس اللجان الشعبية سيطرتها على الحكومة المركزية في العاصمة صنعاء، فضلاً عن المناطق الأخرى المكتظة بالسكان في المحافظات الشمالية المجاورة.
السيطرة على الموارد واستغلالها
تمتلك اليمن ثلاثة حقول نفط وغاز نشطة، ويتميز حقل مأرب، على سبيل المثال، بخط أنابيب نفط يمتد إلى المناطق الخاضعة لسيطرة اللجان الشعبية، ويصل في النهاية إلى الساحل الغربي لليمن على البحر الأحمر في ميناء رأس عيسى.
وفيما يتعلق باحتياطياتها من الغاز، فإن لمأرب وجهتان رئيسيتان: الأول: يمتد أحدهما إلى الجنوب من صنعاء وصولاً إلى دهمار، بينما يمتد خط الأنابيب الآخر على طول الطريق إلى خليج عدن، وتحديداً إلى ميناء بلحاف. تخضع مأرب حالياً لسيطرة مجلس القيادة الرئاسي، بقيادة رشاد العليمي، وهي آخر معقل شمالي متبقٍ للحكومة “المعترف بها دولياً” في اليمن. الثاني: على طول محافظة شبوة الجنوبية، التي تخضع لسيطرة كاملة من المجلس الانتقالي الجنوبي منذ عام ،2022 وتضم عدة آبار نفطية، وخط أنابيب يصل إلى خليج عدن، أي ميناء بير علي.
قطاع النفط المتعثر في اليمن
في هذا السياق، لابد من الإشارة إلى أن الأهمية الحيوية للنفط والغاز بالنسبة لحكومة صنعاء لا تقتصر على استخدامهما في استهلاك الطاقة المحلية، ولكن لدفع رواتب موظفي الخدمة المدنية في اليمن. وبحسب عصام المتوكل، الناطق باسم شركة النفط اليمنية في حكومة صنعاء،يعتمد اقتصاد اليمن بشكل أساسي على عائدات النفط والغاز التي تخضع لسيطرة دول التحالف، والتي تشكل 70٪ إلى 80٪ من ميزانية الدولة وعائداتها، حيث يتم دفع الرواتب من تلك الإيرادات.
ومع ذلك، بعد بدء حرب التحالف على اليمن، أصبح الهدف الأساسي هو الإغلاق القسري لخطوط الأنابيب التي تربط المناطق التي تسيطر عليها اللجان الشعبية بمحافظات أخرى، ما أدى فعلياً إلى الحيلولة دون وصول موارد البلاد من النفط والغاز، إلى جانب الإيرادات المرتبطة بها، إلى صنعاء.
وبالتالي، أدى ذلك حدوث كارثة إنسانية لملايين المواطنين اليمنيين، لا سيما بالنظر إلى أن ما يقرب من 80 بالمائة من السكان يقيمون في مناطق خاضعة لسيطرة اللجان الشعبية. وفي تشرين الأول الماضي، نشرت اللجان الشعبية معلومات مفصلة عن الناقلات التي شاركت في عملية النهب.
تعقب نفط اليمن المسروق
في الوقت الذي يتم فيه نقل نفط اليمن بحرية إلى الخارج، فإن معظم سكان البلاد يُحرمون من الوصول إلى مواردهم الخاصة، وبحسب التقارير الواردة من المجلس الانتقالي الجنوبي فإن صادرات النفط اليمنية ارتفعت من 6.672 مليون برميل سنوياً في عام 2016 إلى 25.441 مليوناً في عام 2021. والسؤال الذي يطرح نفسه، هو إلى أين يذهب النفط والغاز ومن الذي يستفيد من إيراداته؟.
من المؤكد أن تعقب الناقلات المختلفة المنخرطة في نهب النفط والغاز قبالة شواطئ اليمن مهمة صعبة، إذ غالباً ما تسلك هذه الناقلات طرقاً معقدة، كما أنها توقف عن عمد نظام تحديد المواقع العالمي، وأنظمة التتبع لإخفاء منشأ حمولتها.
في شهر آذار الماضي، أصدرت منصة “إيكاد” شريط فيديو استقصائي يوضح تفاصيل سرقة النفط اليمني، وقد كانت النقطة المحورية في التحقيق هي الناقلة المسماة “غولف أيتوس” التي أبحرت نحو ميناء بير علي في جنوب اليمن، وتم تحميلها بالنفط قبل التوجه إلى ميناء عدن حيث تم التفريغ.
ولمدة 30 يوماً، كررت السفينة نفس الروتين المحدد، أي التحميل التفريغ في ميناء عدن. وعلى الرغم من أن الطبيعة الدقيقة لهذه المناورات لا تزال غير معلنة، فمن المتوقع أن تكون مرتبطة بالأمن البحري أو إعادة توزيع النفط.
وفي 5 آب الماضي، اقتربت ناقلة أخرى تحمل اسم” ستار زد” من شركة “غولف أيتوس”، حيث قامت السفينتان بخلط نفطهما الخام إما لجعل شحناتهما غير قابلة للتعقب، أو لتحسين جودة النفط.
ومع ذلك، في هذه الحالة، من المرجح أن يتم الخلط للتشويش على مصدر الزيت، حيث واصلت شركة “غولف أيتوس” بعد خلط الزيت، رحلتها إلى ميناء خور الزبير في العراق، وهناك تم تفريغ النفط. وبحسب التحقيق الذي أجرته منصة “أيكاد” فإن سنغافورة والولايات المتحدة من بين الوجهات الرئيسية للنفط المهرّب المصدّر من هذا الميناء.
التواطؤ الغربي
لا يختلف الحال كثيراً عن ما يحدث في سورية، فقد أصبحت سرقة موارد اليمن بموافقة وإشراف الولايات المتحدة وحلفائها، وما يؤكد ضلوعهم المستمر بهذا الدور أنها على مدى عقود عملت الولايات المتحدة كضامن للأمن البحري، مع تحالف القوات البحرية المشتركة المتمركز في مياه غرب آسيا منذ عام 1983، حيث تغطي مسؤولية القوات البحرية المشتركة البحر الأحمر، والخليج العربي، وبحر العرب وخليج عدن على وجه التحديد، حيث يحدث نهب لموارد اليمن.
ومن المفارقات، أنه بينما اعترضت الولايات المتحدة، واحتجزت سفن في هذه المياه في السنوات الأخيرة، فإن إي من الناقلات التي تم احتجزاها لم تكن ناقلة نفط متورطة في سرقة النفط من اليمن، الأمر الذي يثير الشكوك حول الدوافع وراء مثل هذه الأعمال الانتقائية.
يمكن ملاحظة أنماط مماثلة مع وجود الجنود البريطانيين والفرنسيين في مواقع استراتيجية في المناطق الغنية بالنفط مثل حضرموت، وعلى الرغم من أن أعدادهم قد تكون قليلة، إلا أن التقارير تشير إلى أن الغرض منها هو ضمان ما يسمى “أمن” عملية تصدير النفط، الأمر الذي يعكس التكتيكات التي يستخدمها الجيش الأمريكي في سورية، حيث تم نشر عدد محدود من القوات للإشراف على سرقة النفط المستمرة في شمال شرق البلاد.
في السياق نفسه، تستفيد العديد من الشركات الأجنبية من هذه السرقة، ولعل واحدة من الأسماء البارزة التي تطفو على السطح بشكل متكرر هو اسم شركة النفط والغاز الفرنسية العملاقة ” توتال انيرجي”، الموصومة بسجلها الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان في اليمن واستغلال مواردها.
كشف تقرير مفصل من وكالة الأنباء الرسمية لحكومة صنعاء “سابا” في آذار 2022، عن اتفاق مع شركة “توتال إنيرجي” لاستئناف تصدير الغاز عبر محطة بلحاف للغاز في خليج عدن.
بشكل مثير للصدمة، تكشف الوثيقة كيف اقترح الأمريكيون والفرنسيون بيع الغاز مقابل 3 دولارات فقط لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو أقل بكثير من السعر العالمي البالغ حوالي 15 دولار، بسبب الصراع بين أوكرانيا وروسيا.
كما تكشف هذه الصفقات عن الاستغلال الممنهج لموارد اليمن، حيث يلعب الغرب دوره في تسهيل العملية. والجدير بالذكر أن نهب التحالف يتجاوز عائدات النفط والغاز، كما يشمل مصادرة الرسوم الجمركية، والرسوم من جميع الطائرات والمركبات والسفن العابرة، مما يزيد من عملية النهب.
غضب انتقائي من الغرب
على الرغم من الحرب المدمرة التي تعرض لها اليمن وشعبه، إلا أن إدانة وسائل الإعلام الغربية كانت ضئيلة بشكل غير مفاجئ. ففي السنوات الست الماضية، صدرت إدانة واحدة فقط عندما استهدفت اللجان الشعبية ميناء “الدبا” مرتين بطائرات مسيرة في تشرين الأول عام 2022 على الرغم من عدم وجود خسائر بشرية أو إصابات، وهنا يتبين أن الهدف منها كان الحد من سرقة النفط الممنهجة التي تحدث في الجزء الجنوبي من البلاد، خاصةً حين انتقدت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشدة الهجمات.
في المقابل، أسفرت الحرب على اليمن عن مقتل ما يزيد على 377 ألف شخص، حيث كان 70 في المائة من الضحايا من الأطفال دون سن الخامسة، بحسب الأمم المتحدة.
ووفقاً لـ “إيكاد” واللجان الشعبية، فإن غالبية السفن المتورطة في تهريب النفط من اليمن ترفع علم بنما، وهي دولة صغيرة في أمريكا اللاتينية، والتي يتواجد فيها عدد كبير غير متناسب من السفن المسجلة تحت علمها.
من المؤكد، أن لتهريب النفط والغاز اليمني هدفين رئيسيين: أولهما توفير الوقود للصراع المستمر وتمويل رواتب الحكومات المنشأة حديثاً، والهدف الثاني، هو حرمان الحكومة المركزية في صنعاء من الاستفادة من موارد النفط والغاز اليمنية. وكما هو الحال في سورية، يهدف نهب النفط إلى تعزيز فعالية الحصار والعقوبات المفروضة على اليمن، ومنع وصول الإيرادات إلى اليمنيين.
كيف يحصل اليمنيون على النفط؟
في غضون ذلك، تُركت الحكومة التي تتخذ من صنعاء مقراً لها مع خيارات مهينة يمكن من خلالها الحصول على الوقود الحيوي، و يُجبر اليمنيون على شراء النفط اليمني من خلال وسطاء أو شركات خاصة.
تؤدي هذه الإجراءات التعسفية – وسط حاجة اليمن الملحة لموارد الطاقة الحيوية – إلى الانتظار لفترات طويلة، وتفاقم الكارثة الإنسانية، وتسبب معاناة هائلة لسكان اليمن، فضلاً عن انتكاسات مالية ولوجستية للحكومة.
التغلب على إرث النهب
من المتوقع أن يتوقف نهب موارد اليمن بمجرد انتهاء الحرب، لكن الظروف التي سيحدث في ظلها تظل غير مؤكدة، حيث تشير التحركات والاتفاقيات الجيوسياسية الأخيرة، إلى وجود محور أوروبي آسيوي، ما يسمح بشكل أساسي بسياسة خارجية أقل خضوعاً لواشنطن.
بتحدي مطالب إدارة بايدن لزيادة صادرات النفط، وإعادة العلاقات مع خصمي الولايات المتحدة إيران وسورية، تعيد الرياض وضع نفسها على الساحة الدولية من خلال حل الخلافات والتوترات طويلة الأمد، والتي أشعلتها المصالح الغربية في المقام الأول. وإذا استمر هذا الاتجاه، فقد تتوصل السعودية إلى اتفاق ثنائي مع اللجان الشعبية، وبالتالي إنهاء أحد المحركات المهمة للصراع اليمني.
جدير بالملاحظة، أن أفقر دولة في غرب آسيا كانت تمتلك الموارد التي تخولها أن تكون من بين أغنى دولها، ومع ذلك فإن المنطقة تتغير بسرعة مع ظهور عالم متعدد الأقطاب، والنظام الجديد يفضل التنمية الاقتصادية والسلام على الحروب والعقوبات. كما أنه مع تباين جداول أعمال السعودية والإمارات العربية المتحدة، مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ومواجهة ضغوطاً متزايدة من الصين وروسيا وإيران، التي تسعى إلى إنشاء بنية تحتية أمنية إقليمية في غرب آسيا على أساس القانون الدولي بدلاً من أنظمة العقوبات الأمريكية، تشير هذه الديناميات إلى أن السنوات القليلة المقبلة من المرجح أن تحدث تغييرات كبيرة في اليمن.