الجزائر وروسيا توقّعان إعلان الشراكة الاستراتيجية العميقة
موسكو – تقارير
لا شك أن أوّل المتشائمين من الزيارة التي يقوم بها الآن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى روسيا سيكون فرنسا التي بدأت تستشعر مؤخراً أن نفوذها في القارة الإفريقية بدأ بالانحسار، وأن من يقود هذا التوجّه على مستوى القارة هو الجزائر التي طالبت فرنسا مراراً بالاعتذار عن الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب الجزائري خلال فترة استعمارها له، غير أن الأخيرة تهرّبت من ذلك، الأمر الذي شكّل بداية لتوتّر العلاقات بين البلدين، وفتح الباب واسعاً أمام مجموعة من التغيّرات على مستوى العلاقات الفرنسية الإفريقية التي ذهبت في الاتجاه نفسه، مع انعدام الثقة بالدور الفرنسي في القارة الذي اقتصر على نهب ثرواتها وتغذية النزاعات ونشر التنظيمات الإرهابية المسلحة من “داعش” والقاعدة ودعمها بكل الوسائل في سبيل الإبقاء على حالة عدم الاستقرار داخل هذه الدول، وتأمين فرصة لبقاء القوات الفرنسية بدعوى محاربتها.
وقد أشار “إعلان الشراكة الاستراتيجية العميقة” الموقع اليوم بين روسيا والجزائر، إلى أن الجانبين سيعملان على تطوير التعاون في التكنولوجيا النووية واستخدامها السلمي.
وجاء في الإعلان أن “روسيا والجزائر يعلنان التعاون والتبادل في مجال تطوير التكنولوجيات النووية، وتطبيقها للأغراض السلمية، والسلامة النووية”.
وأفادت صحيفة النهار الجزائرية بأن “الرئيس الجزائري لفت إلى إمكانية توقيع اتفاقيات مع روسيا لتطهير المناطق التي تمت فيها التجارب النووية للاستعمار الفرنسي بالجزائر”.
وفي التفاصيل، أكّد رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عبد المجيد تبون، العلاقات التاريخية والقوية التي تجمع الجزائر بروسيا، مبرزاً أن زيارته إلى هذا البلد ستسمح بتعميق التشاور الثنائي حول العديد من الملفّات.
وأوضح الرئيس تبون خلال المحادثات التي جمعته بنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، بقصر الكرملين، أن زيارته إلى روسيا تدل على “عمق الصداقة والعلاقات الموجودة بين البلدين منذ 60 سنة”، مشيراً إلى أن الجزائر “وفيّة لهذه العلاقات”.
وأكد تبون في هذا الصدد أن “التشاور مع الأصدقاء ضروري في كل الظروف”.
واقترح الرئيس الجزائري خلال المحادثات دخول الجزائر إلى منظمة بريكس والعمل على تقليل الاعتماد على الدولار واليورو، وهو ما اتفق معه الرئيس الروسي وأشار إلى أهمية توسيع روسيا لممارسة التسويات المتبادلة باستخدام العملات الوطنية بين روسيا والجزائر.
وقال تبون: نحن متفقون تقريباً على أكبر النقاط التي تهمّنا فيما يخص الوضع الدولي المضطرب جداً، لذا نريد التعجيل بدخولنا إلى منظمة بريكس حتى ندخل في نظام آخر غير الدولار.
وبعد أن شدّد على مواقف الجزائر الثابتة إزاء ضرورة تغليب الحلول السلمية للأزمات في كل من ليبيا ومالي، أكّد الرئيس تبون أن لدى الجزائر وروسيا “نظرة واحدة” بخصوص الملف الليبي على اعتبار أن ليبيا “صديقة لروسيا وشقيقة للجزائر، ونحن نتمنى لها الأمن والاستقرار”.
وعبّر عن قناعة الجزائر بأن حل الأزمة في مالي “لا يكون بالقوة وإنما من خلال اتفاق الجزائر للسلم والمصالحة”.
وأشاد رئيس الجمهورية الجزائرية من جهة أخرى، بالدعم الروسي لانضمام الجزائر كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي.
من جهته، أكد الرئيس الروسي، متانة العلاقات الثنائية التي تجمع البلدين، مبرزاً أن الجزائر تحتل “أعلى المراتب” من بين الشركاء التجاريين لروسيا.
وأوضح الرئيس بوتين، أن “افتتاح حديقة باسم الأمير عبد القادر وسط مدينة موسكو, دلالة على متانة العلاقات الثنائية بين روسيا والجزائر”، مؤكداً أن “الجزائر تحتل أعلى المراتب من بين الشركاء التجاريين لروسيا”، ومشيداً في الوقت نفسه بـ”التعاون القائم بين البلدين ولاسيما في إطار منظمة أوبك+ ومنتدى دول المصدّرة للغاز وهو ما من شأنه تحقيق الاستقرار في سوق المحروقات”.
وأبرز الرئيس الروسي، أن تنظيم المنتدى الاقتصادي الجزائري-الروسي، الذي أشرف على افتتاحه أمس الرئيس تبون من شأنه “الرفع من وتيرة الاهتمام في هذا المجال”.
وتابع مخاطباً تبون: “سنكون سعداء بلقائكم بمدينة سان بطرسبورغ في نهاية شهر تموز وذلك في إطار الطبعة الثانية لقمة روسيا – إفريقيا”.
كذلك أكّد الرئيس الروسي أن انتخاب الجزائر عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي، يعدّ فرصة لـ”تنشيط التعاون في هذا الإطار وتكثيف الاتصالات”.
وفيما يخص الشأن الأوكراني، أعرب تبون عن شكره لنظيره الروسي، لقبوله وساطة الجزائر في النزاع القائم بين روسيا الصديقة وأوكرانيا، مؤكداً أن هذه الثقة “ستكون في محلها”.
من جهته، عبّر بوتين عن شكره للجزائر وللرئيس تبون على الاستعداد لتقديم جهود الوساطة في النزاع القائم بين بلاده وأوكرانيا.
وبعد أن ذكّر بأن الجزائر هي عضو في فريق الاتصال بالجامعة العربية حول أوكرانيا، أوضح الرئيس بوتين قائلاً: “لقد شرحت للرئيس تبون الرؤية الروسية والأسباب الأولية لهذا النزاع والملابسات المتعلقة به”.
كذلك أفاد الرئيس بوتين، في السياق ذاته، بأنه سيستقبل، يوم السبت، رؤساء الوفود من القارة الإفريقية، لمناقشة المبادرة التي تقدّمت بها الجزائر حول تسوية النزاع الروسي-الأوكراني.
إلى ذلك، وقّع تبون، مع نظيره الروسي، اليوم الخميس بموسكو، على إعلان الشراكة الاستراتيجية العميقة بين البلدين، بالإضافة إلى عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم وبرامج عمل بين الحكومتين الجزائرية والروسية.
وبعد التوقيع قال بوتين: إن المحادثات مع رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية السيد تبون الذي يقوم بزيارة دولة إلى روسيا كانت عملية ومثمرة للغاية، وهو ما يتضح من المجموعة الواسعة من الوثائق التي تم توقيعها بين البلدين على مستوى الحكومات والسلطات البلدية والوزارات، والتي تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات.
وشدّد الرئيس بوتين على أن العلاقات مع الجزائر “تحمل أهمية خاصة بالنسبة لروسيا، وذات طبيعة استراتيجية”، ووفقاً له، فإن اعتماد الإعلان سيكون بداية لمرحلة جديدة أكثر تطوراً في العلاقات الثنائية بين البلدين.