هل نشهد ولادة تكتّل اقتصادي عربي؟
طلال ياسر الزعبي
على غرار التكتّلات الاقتصادية الكبرى التي شهدها العالم في الفترة الماضية، هل يمكن أن نشاهد تكتّلاً عربياً مماثلاً يحجز موقعه على خريطة هذه التكتّلات؟.
سؤال كبير لا تزال الإجابة عنه رهن السياسات الاقتصادية العربية، حيث يُجمع كثير من المراقبين الاقتصاديين على أن المنطقة العربية يمكن أن يكون لها وزن كبير في المعادلات الاقتصادية العالمية، وخاصة مع بداية بروز نظام عالمي جديد إلى الواجهة يمكن أن يسمح لهذا التكتّل الجديد بالولادة.
وبالنظر إلى الإمكانات الاقتصادية والبشرية التي تمتلكها المنطقة العربية، يطرح المراقب مجموعة من علامات الاستفهام حول عجز منظومة الدول العربية عن حجز موقع اقتصادي فاعل لها في هذا العالم، فالمنطقة غنيّة بالثروات المعدنية ومصادر الطاقة، سواء المستخرجة أم التي لا تزال قيد الدرس، حيث يحتفظ كل بلد من البلاد العربية باحتياطي هائل من مصادر الطاقة والمعادن يمكن أن يشكّل رافعة لاقتصاده ومكمّلاً لاقتصادات الدول العربية الأخرى، فضلاً عن القوى البشرية الهائلة الموجودة في المنطقة العربية والقادرة في الوقت نفسه على السير باقتصادات الدول إلى برّ الأمان.
والآن، مع ظهور بوادر قوية على تغيّر في الخريطة الاقتصادية العالمية بموازاة انحسار النفوذ الأمريكي عن الكثير من المناطق في العالم، وخاصة المنطقة العربية، التي ظهرت فيها مؤشرات على إمكانية التفاعل البنّاء بينها وبين دول الجوار بعيداً عن التدخّلات الأمريكية، وخاصة مع اتجاه دول العالم إلى الشراكة مع الصين عبر مجموعة من الاتفاقيات العالمية، كـ”مبادرة الحزام والطريق” التي شكّلت رابطاً قويّاً لدول المنطقة مع جوارها، الأمر الذي يقلّص النفوذ الأمريكي في المنطقة والعالم، ربّما بات ضرورياً لدول المنطقة أن تغيّر خريطة علاقاتها مع دول العالم، باتجاه الاقتصادات الصاعدة التي أثبتت أنها قادرة على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في العالم بعيداً عن السياسات المتهوّرة للدول الغربية المتمثّلة في فرض العقوبات الأحادية على الدول وعرقلة سلاسل التوريد، الأمر الذي يهدّد الأمن الغذائي في العالم برمّته، وخاصة مع استخدام الأزمة الأوكرانية ذريعة لتجويع دول العالم الثالث والاستئثار بصفقات الحبوب والغذاء.
مع هذه التحوّلات الخطيرة في النظام العالمي، استشعرت بعض الدول العربية وخاصة السعودية والإمارات ومصر والجزائر المخاطر الكبيرة للاستمرار في النمط السائد سابقاً من العلاقة مع الغرب والولايات المتحدة، حيث تؤكّد جميع المؤشرات انحسار التأثير الغربي عموماً في الاقتصاد لمصلحة أطراف أخرى هي الصين وروسيا ودول الجنوب عموماً، فكان أن عملت على إعادة مراجعة سياساتها بشكل ينسجم مع الوضع الجديد في العالم، الأمر الذي دفعها إلى محاولة إعادة الزخم لمنظومة العلاقات العربية البينية، سواء أكان ذلك عبر منظومة الجامعة العربية كإطار جامع، أم عبر تصحيح العلاقات البينية العربية والتشبيك الاقتصادي فيما بينها، في إطار منظومة متكاملة لتعزيز التنمية في المنطقة العربية.
هذا التوجّه، ربّما صار واضحاً للعالم أن عدداً من قادة المنطقة، وخاصة السيد الرئيس بشار الأسد وقادة بارزين في الخليج العربي، يسعى إلى تعزيزه والمضيّ به إلى الأمام، وصولاً إلى إلغاء التدخلات الأجنبية وتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة، فهل يشهد العالم ولادة تكتّل اقتصادي عربي يكون موازياً للتكتلات الاقتصادية الكبرى؟.
سؤال ربّما تجيب عنه الأشهر المقبلة، وهي حبلى بالمفاجآت..