دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة دولة “منبوذة” في الشرق الأوسط

سمر سامي السمارة

منذ ما يزيد على عقد من الزمان، وضعت واشنطن أجندتها لإسقاط الدولة السورية. لم تكن خطتها تقتصر على تدمير الدولة السورية فحسب، بل عزلها إقليمياً ودولياً. وفي السنوات القليلة الماضية، عمل الوجود العسكري الأمريكي غير الشرعي في سورية على منع إعادة توحيد الأراضي السورية.

في المقابل، عملت سورية وحلفاؤها -خاصة إيران وروسيا– على مدار سنوات كتحالف لهزيمة أجندة واشنطن. ومع ذلك، كان لعودة سورية رسمياً إلى جامعة الدول العربية بعد ما يزيد على 11 عاماً من الغياب أثر كبير، حيث أصبح فشل واشنطن أكثر إثباتاً. ومع دخول العلاقات الأمريكية السعودية مرحلة جديدة، وتعزيز علاقات السعودية الثنائية مع كلّ من موسكو وبكين، أصبح ميزان القوى متماشياً مع المصالح الوطنية للسعودية، وبالتالي سوف يتمّ نزع فتيل التوتر عبر طاولة المفاوضات والقنوات الدبلوماسية، وتفادي نشوب صراعات من شأنها الإضرار بمصالح القوى الإقليمية.

ويقرّ إعلان جدة بالمطالب المحقة لسورية التي طالبت بها على مدار السنوات الماضية، ويرفض الأجندة التي اتبعتها الولايات المتحدة وحلفاؤها طوال تلك السنوات. وقد أكد على ذلك البيان الختامي للقمة، من خلال تجديد الالتزام بالحفاظ على سيادة سورية، ووحدة أراضيها واستقرارها، وسلامتها الإقليمية، وذلك استناداً إلى ميثاق جامعة الدول العربية ومبادئه، والتأكيد على أهمية مواصلة وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سورية على الخروج من أزمتها، وإنهاء معاناة الشعب السوري، وتماشياً مع المصلحة العربية المشتركة والعلاقات الأخوية التي توحد كلّ الشعوب العربية.

ومن المؤكد أن للبيان معنى أكثر مما تراه العين، إذ يعزّز التركيز على المصالح العربية المشتركة، والعودة إلى “القومية العربية” التي حدّدت أسس الجغرافيا السياسية للمنطقة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. ويتماشى هذا المسار مع الديناميكيات الجيوسياسية العالمية المتغيّرة، أي التحول من العالم الأحادي بقيادة الولايات المتحدة إلى عالم متعدّد الأقطاب مع العديد من مراكز القوة.

في الواقع، تبعث عودة سورية إلى الجامعة العربية برسالة قوية للغاية إلى الولايات المتحدة وحلفائها، ممن عارضوا عودة سورية. وللإشارة، فإن السبب في معارضتهم يرجع لاعتقاد كلّ من الولايات المتحدة وحلفائها بأن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية سيجعلهم غير ذي صلة بعملية السلام وإعادة الإعمار في سورية، بحسب زعمهم.

لقد بات واضحاً أن الدول العربية تجاهلت تماماً موقف واشنطن وإملاءاتها، وتسعى الآن إلى إعادة إعمار سورية بالتحالف مع روسيا والصين، ما يعني أن خروج واشنطن من الشرق الأوسط سيبقى عملية مستمرة، وبدلاً من أن تجعل إدارة بايدن السعودية دولة “منبوذة”، فإن واشنطن في طريقها لأن تصبح “منبوذة” في الشرق الأوسط. ونظراً لتورّط واشنطن العميق مع روسيا والصين في منافسة بين القوى العظمى، يتمّ استبدال واشنطن ببطء ولكن بثبات بروسيا والصين في الشرق الأوسط، الأمر الذي أصاب إدارة بايدن بحالة من الهستيريا لمواجهة خصومها، وحماية هيمنتها من الفشل.

الجدير بالذكر، أن أحد الأسباب الرئيسية لهذا الفشل هو عدم قدرة الولايات المتحدة على التصالح مع حقيقة أن العالم أصبح مختلفاً تماماً عما كان عليه في تسعينيات القرن الماضي، فقد فتح صعود الصين وروسيا كقوتين عظميين تتنافسان مع الولايات المتحدة، وتدفعان باتجاه نظام عالمي بديل، الباب أمام العديد من الدول، وخاصةً في الشرق الأوسط، لتنويع علاقاتها بعيداً عن الولايات المتحدة.