“جوكر”.. بقصّة أصلية وعدسة مميزة
نجوى صليبه
يعيش آرثر فليك (خواكين فينيكس) المهرّج والممثل الكوميدي مع والدته بيني فليك (فرانسيس كونروي) بمدينة غوثام في مجتمع طبقي حال ـ في الماضي ـ دون اعتراف والده به وتعنيفه وطرده مع والدته التي اتّهمها بالجنون لكي يتخلّص من فعلته، ما يتسبّب له بمرض نفسي واضطراب عقلي، يجعله يضحك في أوقات غير مناسبة، ولأنّه ووالدته يعيشان ظروفاً اقتصاديةً صعبة يعتمد على برنامج الخدمة الاجتماعية للعلاج الذي يغلق لاحقاً، تاركاً “آرثر” من دون دواء.
وفي إحدى الأمسيات، وأثناء عودته من عمله، تعترض آرثر، أو “جوكر”، عصابة تثير قلق أصدقائه، فيعطيه أحدهم (راندال) مسدساً ليحمي نفسه في المرّات القادمة، لكنّ الأمور تجري بشكلٍ سيئ جدّاً، إذ يسقط المسدس من جيبه أثناء تقديمه عرضاً للأطفال، ويطرد من عمله، فيحزن كثيراً ولاسيّما بعد نكران راندال ملكيته للمسدس، ويخرج ويستقلّ قطاراً، وهناك يستخدم المسدس مرّةً ثانيةً، إذ يشاهد ثلاثة رجال يضايقون فتاةً، فيدخل في نوبة ضحك قوية تستفزّهم ويضربونه، ولا يجد مفرّاً من الدّفاع عن نفسه إلّا قتلهم والهرب.
حادثة، يدينها الجميع بمن فيهم مرشّح البلدية توماس واين (بريت كولين) الذي يصف الأشخاص الذين يحسدون أشخاصاً أكثر نجاحاً منهم بالـ”مهرجين”، ما يثير غضب آرثر الذي عثر سابقاً على رسالة كتبتها والدته إلى توماس تطالبه فيها بتحمّل مسؤولياته تجاه ابنه، وبسبب إخفاء هذه الحقيقة عنه ينقلب حبّه لها إلى كراهية، فيخنقها بوسادتها وهي على فراش المرض في إحدى المستشفيات، ولاحقاً يقتل صديقه راندال في منزله.
بعد فترة يُدعى آرثر للظّهور في برنامج موراي فرانكلين (روبرت دي نيرو) نظراً لشهرته وشعبيته وتقديمه مقاطع كوميدية مميزة، فيطلب منه تقديمه باعتباره “جوكر” ردّاً على إساءة موراي في السّابق، ويبدأ “جوكر” عرضه أمام جمهور صّفق له بحرارة، معترفاً بكلّ جرائمه، وشاكياً المتنمّرين وتخلّي المجتمع عن المحرومين والمرضى العقليين، وينهي عرضه بإطلاق النّار على موراي بالتّزامن مع اندلاع الشّغب والفوضى في أرجاء المدينة، وانطلاق مظاهرات كبيرة يرتدي خلالها المتظاهرون قناع المهرج آرثر، ويحاصرون عائلة واين، ويقتلون توماس وزوجته.. مشهد يراه آرثر من نافذة سيارة الشّرطة وكما العادة بضحكه المرضي، وسرعان ما يحرره بعض المتظاهرين، فيرسم بالدّماء ابتسامة عريضةً على وجهه ويرقص رقصته المشهورة، ليقبع أخيراً في مستشفى الأمراض النّفسية، ويجلس مقابل طبيبته، ويدخل في نوبة ضحك لا يستطيع تبريرها للطّبيبة لكنّه يقول لها: إنّك لن تفهمي النّكتة.
بهذا المشهد ينهي المخرج تود فيليبس فيلمه “جوكر” المصنّف “إثارة نفسية”، إنتاج عام 2019، الذي تشارك وسكوت سيلفر في كتابة السّيناريو التي استمرّت طوال عام 2017، مع العلم أنّه صمم الفكرة في عام 2016، وبعرضه أوّل مرّة في “مهرجان البندقية السّينمائي الدّولي” بنسخته الـ76 في عام 2019، فاز الفيلم بجائزة المهرجان الأعلى “الأسد الذّهبي”، ومن ثمّ سجّل أرقاماً ملفتةً في شبّاك التّذاكر الأمريكية، محققاً إيرادات فاقت المليار دولار أمريكي حينها، ليكون سابع أعلى فيلم تحقيقاً للإيرادات في عام 2019، وتلقّى ترشيحات عدّة لنيل جوائز في حفل توزيع جوائز الأوسكار الثّاني والتّسعين في فئات عدّة منها: جائزة أفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل ممثل رئيسي، وجائزة أفضل كتابة سيناريو مُقتبس، وأفضل تصميم أزياء، لكنّه في النّهاية حصل على جائزتي أفضل ممثّل وأفضل موسيقا تصويرية، كما عرض في مهرجان تورونتو السّينمائي الدولي في عام 2019، ومن ثمّ في الولايات المتحدة وأستراليا ومصر وإيران والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ولبنان، وهنا لابدّ من أن نذكّر بأنّ كلّ هذه النّجاحات والإيرادات كانت لفيلم خصصت له ميزانية صغيرة بلغت الـ55 مليون دولار، محاولةً من الشّركة المنتجة, وارنر برذرز، ثني المخرج عنه، لكنّها قالت عنه لاحقاً: “إنّه استكشاف رجل تجاهله المجتمع، إنّه ليس دراسة شخصية شجاعة فقط، بل حكاية تحذيرية”.
وبالإضافة إلى هذا التّفصيل المهمّ واللافت، هناك تفاصيل كثيرة أخرى رافقت العمل والتي تبقى كما نقول “كواليس” وهوامش، وهي في الحقيقة وراء نجاح أي عمل، نذكر منها اهتمام الممثّل خواكين فينيكس بدراسة الشّخصية وكيفية تقديمها، لدرجة أنّه خسر من وزنه 24 كيلو غراماً، وشاهد الكثير من المقاطع المصوّرة لأشخاص يعانون الضّحك المرضي، رغبةً منه في تقديم شخصية جديدة ومختلفة، لذا صرّح بأنّه كان يقرأ كتباً عن الاغتيالات السّياسية لكي يتمكّن من فهم القتلة ومعرفة دوافعهم، حتّى أنّه في إحدى لقاءاته الإعلامية وصف الفيلم بالفريد من نوعه، وأنّه لا يشعر أنّه “فيلم استوديو” نموذجي، مضيفاً: “في كثير من الأحيان، وفي هكذا أفلام، لدينا هذه الأنماط البدائية المبسّطة والاختزالية، ما يسمح للجمهور أن يكون بعيداً عن الشّخصية، تماماً كما نفعل في الحياة الواقعية، حيث من السّهل وصف شخص ما بـ”الشّرير”، وتالياً يقول: “حسناً.. أنا لست كذلك”.. وهذا ما أكّده ممثلون آخرون، بل أكّدوا أنّه كان يخرج في بعض الأحيان أثناء التّصوير بسبب عدم قدرته على ضبط نفسه وحاجته لتنظيمها، ومنهم “دي نيرو” الذي قال: “لقد كان شديد الحدّة فيما كان يفعله، كما ينبغي أن يكون، كما ينبغي أن يكون هو”.
وهذا ما أراده كلّ من فيليبس وسيلفر، تقديم نصّ مختلف وشخصية مختلفة للـ”جوكر”، لذلك استغرقت الكتابة وقتاً أطول، ومثلها الحصول على الموافقة على السيناريو من شركة وارنر برذرز، أمور كثيرة دفعت فيليبس حينها إلى توضيحها ونفي بعضها، نقتبس من إحدى تصريحاته: لم يكن القصد من الفيلم أن يكون سياسياً.. إنّه مجرّد تفسير آخر ولا يتبع أي شيء من الكتب المصورة.. نحن لا نقوم بجوكر حتّى، ولكن قصة أن نصبح جوكر”، في إشارةٍ منه إلى أنّهم اختاروا ما يحبّون من تاريخ الشّخصية، مستخدماً عناصر معيّنة من تقاليد الجوكر لإنتاج قصّة أصلية.