اليونسكو وغطرسة واشنطن
عائدة أسعد
لسنوات طويلة، كانت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم، ولكن السياسيين في واشنطن هم من أفسدوا ذلك، لأنهم يعتبرون أنه من الامتيازات التي لا جدال فيها.
وكونها أكبر اقتصاد في العالم، فإن الولايات المتحدة هي المموّل الأكبر للمنظمات، حيث يعتبر السياسيون في واشنطن هذا وسيلة ضغط لضمان خضوع المنظمات لإملاءاتها، ولهذا السبب انسحبت الولايات المتحدة من منظمة اليونسكو مرتين، وكذلك من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية عندما استاءت منهم.
وبالمثل، فقد انسحبت أيضاً من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، واتفاقية باريس على الرغم من أنها عادت الآن للانضمام إلى الاتفاقية الأخيرة. ومع مثل هذه العقلية مازال السياسيون في واشنطن يرفضون قبول أن العالم أصبح متعدّد الأقطاب بشكل متزايد.
من الطبيعي والعدل أن يكون للدول الناشئة رأي أكبر في الشؤون العالمية، وأن تطالب بنظام عالمي أكثر عدلاً، وليس من العدل أن يكون للولايات المتحدة القول المطلق في الشؤون العالمية في منظمات الأمم المتحدة، حيث يجب أن تُقرر الشؤون الدولية التي تهمّ جميع البلدان عن طريق التصويت، فالدول صغيرة كانت أم كبيرة تتمتع بوضع متساوٍ في الأمم المتحدة ومنظماتها.
لكن كما يتضح من إعلان اليونسكو أن الولايات المتحدة تخطّط للانضمام إلى وكالة الأمم المتحدة الثقافية والعلمية، تظل واشنطن مستمرة بعنادها وغطرستها. وبحسب ما ورد فإن الدافع وراء هذا القرار هو مخاوف من أن الصين ستملأ الفجوة التي خلفتها الولايات المتحدة في اليونسكو.
هذه هي المرة الثانية التي تنضم فيها الولايات المتحدة إلى المنظمة بعد انسحابها في نوبة غضب، ففي عام 1984 انسحبت الولايات المتحدة متذرعة بسوء الإدارة والتحيّز ضدها، وانضمت مرة أخرى في عام 2003، لكن إدارة دونالد ترامب قامت بسحب الولايات المتحدة مرة أخرى من المنظمة في عام 2017، لأن فلسطين تم إدراجها عن طريق التصويت كعضو.
بصراحة يعتبر وجود الولايات المتحدة في اليونسكو، ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى مهماً للجهود العالمية المتضافرة لمواجهة التحديات ذات الاهتمام الكبير بمستقبل البشرية، ولكن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستلعب دوراً إيجابياً في الوكالة يظل مجرد تخمين، وإذا كانت عودتها -كما يقول مسؤولوها- هي فقط لاستعادة نفوذها ضد تأثير الصين في المنظمة، فمن المرجح أن تكون الولايات المتحدة مجرد مصدر للمشكلات.
لقد أعرب سفير الصين لدى الوكالة عن أمله في أن تعني هذه الخطوة أن واشنطن جادة بشأن التعددية وقال: “إن العضوية في منظمة دولية هي قضية خطيرة، ومن المؤمل أن تعني عودة الولايات المتحدة هذه المرة أنها تعترف بمهمة المنظمة وأهدافها ويشارك أعضاء آخرون في الوكالة هذا الأمل”.