“عدن.. زهرة البركان”
يوسف بالوش
“عدن.. زهرة البركان” كتاب جديد للأديبة المهندسة المعمارية الدكتورة ريم عبد الغني صدر ربيع هذا العام عن دار أروقة للدراسات والترجمة والنشر في القاهرة، ليضاف إلى سلسلة إبداعاتها الأدبية والهندسية المتلاحقة.
يتميّز الكتاب بانسيابية العبارة وبلاغة التعبير بصفحاته الخمسمائة التي توزعت أبحاثها وموضوعاتها على بابين: الأول مدينة عدن، والثاني مدينة أبيَّنْ، وتزين الكتاب بغلافه ذي اللون الأزرق المستوحى من بحر عدن والموشح بالأخضر الذي يرمز للطبيعة الساحرة.
واعتمدت الكاتبة على بلاغة الكلمة وسلاسة العبارة في وصف بلاد اليمن التي كانت زيارتها الأولى لها بالعام ١٩٩٧، ولاسيما مدينة عدن التي ينتسب إليها زوج الكاتبة، الرئيس اليمني الأسبق السيد علي ناصر محمد، وقد استهلت عبد الغني كتابها بعبارة قالت فيها:
بين السطور حكاية عشق ووفاء بين رجل ومدينة…
من أجلكما، علي ناصر، وعدن كتبْتُ.
في الباب الأول من الكتاب تسلط الكاتبة الضوء على مدينة عدن وطبيعتها الساحرة التي كانت بمثابة الدرة للتاج البريطاني، وتشير أيضاً للجهد الكبير الذي بذلته الكاتبة من خلال الشروحات التعريفية المفصلة عن سيرة المئات من الشخصيات والمواقع المهمّة والأعْلاَم والأحداث التي أوردتها ضمن سياق الكتاب والتي بلغت (٦١٢) تعريفاً وهذه ميزة إيجابية تضاف لأهمية الكتاب الذي أتى على ذكر شخصيات وأحداث متعاقبة على مر عصور متعددة، منذ سام بن نوح وبلقيس والحضارات التي شهدتها اليمن، وصولاً للعصر الحديث، مع التركيز على أهم القادة العرب والأجانب، الذين كانت لهم صلات وتأثير على مجريات أحداث اليمن.
وزينت الكاتبة عبد الغني كتابها برسوم وصور تعبيرية بريشة الفنان الفرنسي المبدع جوزيه ماري بل.
تتحدث الكاتبة في الفصل الأول عن مدينة عدن التي ورد اسمها في التوراة والقرآن الكريم والنقوش المسندية والمصادر اليونانية والرومانية، وعرضت أصول سكان اليمن وجذورهم العريقة، والحضارات المتتالية التي تعاقبت واللغات القديمة وإسهاماتها الحضارية في التاريخ البشري.
وتبيّن أهمية عدن التي كانت محطة مهمّة للوافدين من شرق آسيا والهند، ومنطلقاً لهم للسفر نحو أفريقيا وأوروبا.
وببراعة، تمكنت الكاتبة من رصد الأحداث السياسية المتلاحقة منذ الأربعينيات من القرن الماضي وأهم الشخصيات والرجالات اليمنية والعربية التي شاركت بصنع تلك الأحداث لاسيما بعد انتشار المطابع والمكتبات وانتشار الوعي الوطني والفكر التقدمي ونشأت الحركة القومية، حيث غدت مدينة “عدن” بالنسبة لليمن والجزيرة العربية كمدينة “بيروت” كونها أضحت مركزاً للثقافة الوطنية التقدمية.
وتشير الكاتبة إلى تركيبة سكان عدن الذين يشكلون مزيجاً فريداً متنوعاً انصهر منذ آلاف السنين. وفيها ميناء بحري كبير هو الرابع بالعالم بعد نيويورك، ومصفاة بترول ومركز تجاري بحري، وتلفت عبد الغني إلى الدور الذي لعبته عدن في الجزيرة العربية بعد العام ١٩٧٨لتصبح عاصمة لليسار العربية ومزاراً للشخصيات والقادة والزعماء ورجال الفكر والصحافة والسياسة العرب والأجانب.
وفي الفصل الثاني من الكتاب تسلط الضوء على مدينة أبين البحرية الرائعة وتاريخها العريق الموغل في القدم ومكوناتها، بالإضافة إلى ساحلها المترامي نحو الأفق والممتد هلالاً نحو المدى، والحقب التاريخية التي تعاقبت عليها، وتتوقف عند جمهورية دثينة – كما يطلقون عليها في اليمن – المدينة اليمنية الأولى التي يطلق عليها اسم “جمهورية”، كون معظم رؤساء اليمن ورؤساء الوزراء والوزراء وكبار المسؤولين ينتمون لها.
بقي أن نشير إلى أن الدكتورة ريم عبد الغني مواليد اللاذقية، مهندسة معمارية حائزة على شهادة الدكتوراه في الهندسة، رئيسة مركز ترميم للعمارة والتراث أستاذة جامعية عضو مؤسس للمركز العربي للدراسات الإستراتيجية، وعضو في نقابة المهندسين السوريين وفي اتحاد الكتاب العرب. ولديها دراسات ومشاركات كثيرة في المؤتمرات والندوات والملتقيات العربية والدولية، وقد أصدرت مؤلفات ومخطوطات عديدة منوعة “في ظلال بلقيس”، “وهج روح” والكتاب الوثائقي الموسوعي “حضرموت… حضارة لا تموت”.