“الطفر” الفكري…؟!
بشير فرزان
لم تكترث الجهات المعنية للنداءات التي تنذر بمخاطر الواقع الاقتصادي بشكل عام وتداعياته الضاغطة على الحياة العامة بمختلف أوجهها الصناعية والزراعية والتجارية، وحتى الاجتماعية والتربوية. ونتيجة هذا التجاهل وعدم الحيلة، إن صح التعبير، زادت الأوضاع سوءاً وغرقت الحلول الارتجالية بالمزيد من الأعباء المادية، وخاصة مع تقهقر القوة الشرائية والسير بعكس التوجهات الإنتاجية السائرة وفق خطط تقديم كلّ ما من شأنه تنشيط العمل وتفعيله، وهذا الواقع كان نتيجة عدم انتهاج الفريق الاقتصادي مساراً واضحاً ومفهوماً نحو الحلول التي بقيت بعيدة عن أهدافها ويغلب عليها طابع الارتجال والتعامل بقسوة وشدة، سواء مع المنتجين أو المستهلكين والتلويح بعصا العقوبات والتهديد دون أن يكون هناك بالمقابل خطوات فعلية لدعمهم إنتاجياً من جهة والتخفيف من أعباء المواطن، حيث لم يحسن الفريق الاقتصادي إدارة الدفة الإنتاجية التي استمرت بإيصال الاقتصاد إلى القاع من خلال قرارات ارتجالية متضاربة بعيدة كل البعد عن آليات الدعم الإنتاجي!
وطبعاً، ضمن هذا الإطار كان القرار الجديد برفع سعر طن الفيول ليصبح أكثر من 4 ملايين ليرة بعد أن كان 3 ملايين، وهنا نؤكد أنه تمّ رفع سعر الفيول بنسبة أكثر من 300% في أقل من شهرين، فقد تمّ في أيار الماضي رفع سعر الفيول ليصبح 3.3 ملايين ليرة بعد أن كان سعره 1.415 مليون ليرة، وهذا الارتفاع كان له انعكاس مباشر على الصناعيين الذين عجزوا عن خفض التكاليف وتسريع عملية الإنتاج وتنشيطها، وبالتالي كانت هناك فجوة كبيرة في موضوع الأسعار التي لم تستكن لمطلب التخفيض، وما يزيد المعاناة الجماعية صعوبة المنافسة التصديرية في هذه الأجواء الاقتصادية والإنتاجية غير المستقرة، حيث أفلتت الحكومة كافة قراراتها باتجاه زيادة التضخم والغلاء من خلال متتالية الارتفاع المستمر لأسعار الطاقة وكلف الإنتاج والاستيراد والنقل والضرائب الكبيرة وزيادة عراقيل التمويل، وكانت الضربة القاضية بالركود الذي يضرب بقسوة في كل المجالات، حيث التراجع في الأداء الاقتصادي والإنتاجي ولما ذلك من انعكاسات سلبية على حياة المواطن المعيشية والتي بالكاد تنبض في ضوء الكثير من الأعباء المادية التي أثقلت يومياته إلى حدّ “الطفر”، ويمكن تعميم هذا المصطلح على جميع المناحي بكل مؤشراتها الصادحة في ميادين “الإفلاس” وغياب القرارات الجريئة والصحيحة!
ولا شكّ أن الحلول المختلفة تصطف اليوم على باب المشرّع الاقتصادي، وخاصة لجهة طريقة إدارة الاقتصاد، فالقوانين والسياسات والأنظمة كافةً التي تنظم العمل الاقتصادي يجب أن تكون متناغمة فيما بينها وتتفق مع الرؤية الاقتصادية للبلد ومرتبطة بها، بما يمكن أن نسميه التوءمة الاستراتيجية إلى جانب عمل الحكومة على المعالجة الجدية والآنية لملف الفساد ولكافة المظاهر المستجدة والتي تشكل الإرث الثقيل لسنوات الحرب الطويلة، والأهم من ذلك مكافحة ظاهرة الاحتكار في الاقتصاد والتي تُعدّ إحدى أكبر مشكلات القطاع الإنتاجي في سورية وفتح الباب على مصراعية للمنافسة الاقتصادية الصحيحة.
بالنتيجة، حالة “الطفر” الإنتاجي والمعيشي ليست بالمستغربة طالما أن هناك من يخطّط ويرسم على الورق فقط، ومن ثم ينفذ ما يجول في خاطره من أفكار لا تمت للواقع بصلة لا من قريب أو بعيد، فالمخطط الاقتصادي والمعيشي يعاني من “الطفر” الفكري الذي يعدّ الأساس لكل القرارات العقيمة وللمصاعب والهموم الموجودة في الحياة الاقتصادية والإنتاجية والمعيشية.