دراساتصحيفة البعث

رياح السلام بعيدة عن سماء ليبيا

هيفاء علي

ما أكثرها المبادرات الخاصة بإنهاء الأزمة في ليبيا، ورغم ذلك لم ينجح أيّ منها حتى الآن، وآخرها انعقاد اجتماعات اللجنة الليبية المشتركة (6+6) التي استمرت أكثر من أسبوعين في بوزنيقة في المغرب، والتي لم تتوصل إلى إتفاق نهائي بشأن القوانين الانتخابية التي ستؤطر الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة. على الرغم من أن المجتمعين زعموا أنهم اتفقوا على كلّ نقاط الاختلاف بشأن قوانين الانتخابات، لكن عدم التوقيع على الاتفاق يؤكد وجود نقاط خلاف لم تحلّ بعد، وهو ما أكده رئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري.

هذا الأمر يدفع المراقبين الليبيين إلى التساؤل عن مدى جدية اللجنة في إنهاء عملها، والوصول إلى انتخابات قريبة رغم أن قراراتها إلزامية وفق التعديل الـ13 للإعلان الدستوري، وعما إذا كانت هذه اللجنة وعملها تحظى برضى الليبيين، وعما إذا كانت ليبيا ستشهد انتخابات في المستقبل القريب أم لا.

تجدر الإشارة إلى أن رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري حضرا إلى المغرب خلال مشاورات اللجنة التي امتدت لأسبوعين، لكنهما اختارا المغادرة قبل وقت وجيز من الانتهاء، وغابا عن الجلسة الختامية لاجتماعات اللجنة المشتركة (6+6)، ما استدعى تأجيل التوقيع الرسمي، وتبني القوانين الانتخابية من المجلسين إلى الأيام المقبلة. وغياب صالح والمشري عن الجلسة الختامية لأعمال اللجنة المنعقدة بالمغرب أكد وجود قضايا خلافية لم يتمّ حسمها بعد. وبحسب خبراء ليبيين، فإن الأمور ازدادت تعقيداً، في ظل عدم توقيع المشري وصالح على الاتفاق النهائي للجنة 6+6، حيث يعتقد أن هذا الأمر سيعرقل الوصول إلى انتخابات في المستقبل القريب.

ومن المتوقع أن يشترط عقيلة صالح إقامة حكومة جديدة للإشراف على الانتخابات القادمة، وهذا لن يقبل به رئيس الحكومة الحاليّ عبد الحميد الدبيبة، الذي استبق الأحداث وأسس جهازاً أمنياً يضمّ مسلحي المنطقة الغربية. فضلاً عن ذلك، يضيف المحللون أن العديد من الفعاليات ترفض ترشح مزدوجي الجنسية للانتخابات، والحديث عن الطلب من المترشح التخلي عن الجنسية الثانية حال وصل للدور الثاني، مجرد كلام فقط، ولن يكون هناك تخلٍّ رسمي عن الجنسية.

لذلك كلّ من في السلطة سيسعى بطريقته لعرقلة الانتخابات، فليس من مصلحتهم فقدان شرعيتهم، فإن أنجزت انتخابات فلن تبقى إلا شخصية واحدة في الواجهة، ما يعني أنهم سيفقدون الامتيازات التي يتمتعون بها، خاصةً وأن لا أحد فيهم يضمن الفوز بالانتخابات.

وعليه، من المتوقع أن يتأجل حلم الليبيين بإنجاز انتخابات في بلادهم، التي ستضع حداً للأجسام غير الشرعية، وتؤسّس لدولة مدنية تقوم على القانون والمؤسسات، بعض الوقت، خاصة وأن العديد من الأطراف التي تستثمر في الأزمات ترى في الانتخابات نهاية لها.

من جهة أخرى، بعد فشل أجندة الأمم المتحدة بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في نهاية السنة الماضية، وفي غياب توافق على قاعدة دستورية بين القوى المتنافسة، شكلت المصافحة بين الغريمين السابقين حفتر وباشاغا في بنغازي، واتفاقهما بتكليف هذا الأخير تشكيل حكومة جديدة، وحصوله على ثقة البرلمان الذي يتزعمه المخضرم صالح عقيلة حليف الجنرال حفتر، محاولة غير مسبوقة لكسر الجليد بين معسكري الشرق والغرب الليبيين.

ولكن لم تمضِ بضعة أسابيع حتى ظهرت عقبات كبيرة في طريق هذه المبادرة، فعلى الصعيد الإقليمي ظهرت إشارات دالّة على أن القاهرة تقف وراء هذه المبادرة، وتواترت الإشارات في الاتجاه المعاكس، من أنقرة والجزائر وصولاً إلى ردود فعل باردة إزاء المبادرة من قبل الأطراف الأوروبية والأمريكية.

محلياً، تبيّن أن من يقفون وراء فكرة التحالف الجديد أساؤوا التقدير فيما يتعلق بقدرة الدبيبة على المناورة، وتوظيف قوى الغرب الليبي المناوئة تقليدياً لحفتر، وبقدرة حكومته على الاستمرار بدعم من أطراف إقليمية، تركيا بالخصوص، وحذر أطراف أخرى أوروبية ومغاربية، الجزائر بالخصوص.

وفي ظل انشغال العالم بحرب أوكرانيا، وتركيز الأطراف الأوروبية على مواجهة أولويات استحقاقات الطاقة، تبدو ليبيا في الظرف الراهن غير قادرة على المساهمة بشكل أساسي في تلبيتها، بسبب صعوبة زيادة الإنتاج لأسباب لوجستية، وأمنية، ووجود حقول وموانئ النفط في منطقة ملغّمة بالقوى المسلحة المتصارعة.

ويذهب بعض الخبراء للاعتقاد بأن الوضع الليبي المتأزم يقلّل الاهتمام بأزمة ليبيا رغم تداعياتها على النفط والغاز. وبدون وساطة في الأزمة الحالية في ليبيا، سيكون هناك حاجة للتفكير في أن نفط ليبيا لن يكون متوفراً لموازنة السوق لتعويض النفط الروسي، فالإيطاليون مثلاً أقرب الشركاء الأوروبيين لليبيا اتجهوا لإبرام صفقة مع الجزائر التي تحقق لهم إمدادات أكثر استقراراً ووفرة.

لذلك هناك بحث مستمر عن إمدادات الطاقة، بينما تشكل مصالح أمنية وإستراتيجية واقتصادية مختلفة دوافع تحرك قوى أخرى مثل تركيا، التي يبدو أنها تسعى بشكل مبكر لتكون مستفيداً من نتائج حرب أوكرانيا حتى قبل أن تضع الحرب أوزارها. وبغضّ النظر عن التحديات الكبيرة التي تواجهها أوروبا بسبب حرب أوكرانيا، فإن حصيلة السياسة الأوروبية في المنطقة المغاربية وخصوصاً في ليبيا هي الفشل التام، في أعقاب تراجع النفوذ الأوروبي في ليبيا بسبب سياسات الدول الأوروبية المنفردة في التعامل مع الملف الليبي، بينما نجحت إلى حدّ ما للحصول على نصيبها من الكعكة الليبية عقب العدوان على ليبيا بقيادة حلف الناتو، ووصولاً إلى تضارب الأدوار الفرنسية والإيطالية والبريطانية، في التعامل مع أطوار الأزمة التي عصفت بليبيا طيلة السنوات الماضية.

وعليه، يدرك الأوروبيون أن ليبيا تشكل مفتاحاً أساسياً لأمن أوروبا، بحكم الجوار عبر البحر الأبيض المتوسط، وامتداد حدودها آلاف الكيلومترات مع السودان وتشاد والنيجر، ومن ورائها منطقة الساحل والصحراء المضطربة.

وفي ظلّ عجز الليبيين عن بلورة مبادرة محلية للتوافق فيما بينهم وإعادة بناء بلدهم، وغياب دور أوروبي نشيط في الملف الليبي، ستجد العواصم الأوروبية نفسها مضطرة لمراقبة مبادرات اللاعبين الإقليميين، أو ركوب القطار الأممي الذي يتحرك في ليبيا بقيادة القاطرة الأمريكية، عبر المبعوثة الأممية ستيفاني وليامز، التي يهيمن على مهمتها دور رجل الإطفاء لإخماد نيران الاشتباكات المشتعلة على حساب خطط تسوية الأزمة بشكل نهائي.