ثقافةصحيفة البعث

قصص قصيرة مرعبة لأمين الساطي

أحمد علي هلال

يكاد الواقع بمحكياته ومروياته بآن، يفوق الخيال، حدَّ أن يتماهيا معاً، وبذلك سيغدو الواقع ذاته بسرياليته ملهماً للقصّ والسرد، وكيف إذا جاءت قصص قصيرة بطعم الرعب، للقاص والروائي أمين الساطي، إذ العنوان الذي يشير جهراً إلى الرعب وإلى ماهية هذه القصص التي يختمر فيها ذلك –الرعب- بوصفه ثيمة كبرى، سيطيفها القاص بقدر محسوب من مغامرة طليقة تجهر به كسارد كليّ وضمني، لينضد محكياته القائمة على  توسل إحراز اللحظة القصصية، ومكاشفة القارئ حدَّ إيهامه بأن الحكاية حقيقية وقد حدثت بالفعل وهو شاهدها، في عقد مع القارئ والقراءة، لكن الرعب كثيمة لن تتخفف من حمولاتها ونزوعاتها الغرائبية-العجائبية بآن، فهل تفتح هذه القصص بمشهدياتها وبحيازتها للحكاية المضبوطة إيقاعاً وتشويقاً وتحفيزاً مع تطير القاص إلى حدّ ما من قواعد القصة الصارمة، ليبني متخيله في فضاءات تلك المحكيات، على ما وقر في الذاكرة الثقافية من أدب “الديستوبيا” أي أدب المدينة الفاسدة ومرويات وسرديات الخيال العلمي، المقابل لـ”لليوتوبيا”؟.

في مجموعته القصصية بعنواناتها “الستة وأربعين” والتي يشكل الموت فيها دالاً سردياً، إذ سيتعالق بالانتحار والقتل، بل أكثر من ذلك بشيء من النزوع الميتافيزيقي –ما وراء الطبيعة- الذي يعلل الظاهرة الإنسانية إبداعياً وبشيء من القلق واستثمار العوالم غير المرئية “الشبح- الجن- الكائنات الفضائية”، بل ذهاباً إلى الميديا ومفارقاتها ووسائل التواصل الاجتماعي، مصعداً حسّ السخرية السوداء وكسر أفق توقع القارئ، فمثلاً في قصته “الوهم” يتساءل القاص: “ماذا يحدث عندما تجلس وحدك في المكتب وأمامك ورقة بيضاء، تحاول أن تكتب قصة قصيرة لتنشرها على أحد المواقع “الإلكترونية”، ليخلص إلى الاستنتاج بأن كتابة بعض الأفكار غير المترابطة لتدل أن كاتبها مفكر.

وليخلص من ذلك كله إلى القول: “بأن هناك أشياء في الحياة تستحق الكتابة عنها”، وولوجه هذا العالم الافتراضي بوصفه واقعياً هو من أجل التقاط الخيط الرفيع ما بين الواقع والخيال، وبما يعادله من فن القصة، والحلم بكتابة رواية عنوانها “الأيام الصعبة”، وبطل هذه القصة يعيش التناقض بين الحلم والواقع، وأن يكتب بمستوى رواية الحرب والسلام لتولستوي، لكنه يفشل في العثور على وظيفة، ليعمل أخيراً بمكتبة صغيرة لبيع الكتب، لكن سيرورة هذه القصة ستضعه في أتون الحرب ومفرداتها، لكننا سنجدها بوصفها إحدى الضحايا الذين لن يتاح لهم أن يُدفنوا في الأيام الصعبة، وعلى الأرجح أن فضاءات هذه المجموعة القصصية المكانية والزمانية، ستنفتح على أجواء المشافي والطب والسفر، فضاءات محايثة لوقائع قصص الرعب، ومخاتلة القاص قارئه أن هذه القصة حقيقية كما في القرين الذي يتجلى بجار الموظف الصغير، وما يحدث هنا ارتطام الواقع بالخيال لكننا مع تواتر هذا الرعب، كما في “شبح امرأة” وبذلك النزوع الغرائبي والعجائبي، سنتلقف تلك الكوابيس المحكمة التي يعيشها أبطاله، كما التراسل مع الأرواح والرحلة عبر الزمن، ومعضلة الأرقام ولاسيما الرقم خمسة أو تسعة، “لعنة الرقم خمسة، والعلامات”، ففي قصته لعنة “الرقم الخمسة”: “هناك الكثير من الأشخاص الذين لا يؤمنون بلغة الأرقام، على الرغم من أنها أكثر مصداقية من الكلام الإنشائي، والأرقام بطبيعتها تشبه الأشخاص ولكل رقم معنى وصفات خاصة به، يرتبط الواحد منا برقم معيّن منذ ساعة ولادته ويلازمه إلى الأبد، مثل جيناته، لكنه في أغلب الأحيان يعيش ويموت من دون أن يكتشف هذا الرقم”، وما بين الرؤيا والاستشراف يحفر القاص عميقاً في المألوف وغير المألوف وليجعل منه دالاً قصصياً متأملاً في الجحيم وفي الفوضى التي تعصف بالعالم، وانهيار قيمة النقد وانتشار الأوبئة وقوارب الموت، فهل أراد أن يقيم علاقة جدلية ما بين التطهر والقتل؟، سالكاً دروب التحليل النفسي بآلية سردية لشخصياته التي اختارها في متونه القصصية، وليكون الرعب أقرب إلى تمارين الرعب والتدريب عليه، ذلك أن ما يعادل فقد الأحاسيس لأبطاله هو تأسيس ذاكرة استرجاعية لهم، تجعل من القصص مزيجاً من الخصوصية واستثماراً أكثر لدراما الحدث، وقدرته على التشويق، إذ يعصف القاص بما وقر في مقومات القصة القصيرة، ليبني عالماً محايثاً قوامه الرعب.. وعبره نتأمل هذه الدستوبيا بحيازتها لسرد موضوعي يعضد في التلقي التحليل والاستشراف، ويعيد بناء واقع هو غير واقعي بالضرورة.

مجموعة “قصص قصيرة مرعبة” صادرة دار توتول للطباعة والنشر دمشق 2023.