من أين سيؤمن زوار لبنان الـ 100 دولار؟
علي عبود
يبدو إن وزارة المالية تجاهلت عمدا الإجابة على هذا السؤال، كما أن مجلس الوزراء لم يكترث أساسا بطرحه، مادام الهدف محصوراً بتأمين مصدر يومي للقطع الأجنبي.
طبعا لا توجد مشكلة بالنسبة للمغتربين، الذين يترددون على وطنهم مرة أو أكثر في العام، بصرف 100 دولار على منافذ الحدود، لكن الأمر مختلف بالنسبة لمن يزور لبنان، فالـ 100 دولار لن يبيعها المصرف المركزي لهم، ومصدر تأمينها إما من السوق السوداء، (أي أن الحكومة ترغمهم على مخالفة قرار التعامل بالقطع الأجنبي، وبالتالي تجريمهم في حال ضبطهم)، أو سيقومون بشراء الـ 100 دولار من لبنان (أي إن الحكومة ترغمهم أيضا على ارتكاب جريمة تهريب العملة الوطنية خارج البلاد)!
المسألة ليست بخسارة كل سوري للفارق بين سعر الصرف الرسمي والأسود فقط، وإنما أيضا بتحميل السوريين الذين يقومون بزيارة لبنان (لرؤية الأقارب أو السياحة أو للمشاركة بفعالية اقتصادية أو اجتماعية أو علمية.. إلخ)، مسؤولية مخالفة الأنظمة النافذة.. فلماذا؟
تصوروا أن من يتلقّى دعوة للمشاركة بفعالية في لبنان سيكون شغله الشاغل الإجابة على السؤال: من أين سأشتري الـ 100 دولار لأعيد صرفها على الحدود بقيمة أقل؟
إذا ناقشنا القرار الحكومي بإلزام السوريين العائدين من لبنان بصرف 100 دولار بالسعر الرسمي من جوانب أخرى، فسنكتشف بسهولة انه تشجيع لكل الذين لديهم مصالح وأهل وأصدقاء في لبنان للتعامل بالدولار في السوق السوداء أو تهريب الليرة، وهذه حالة شاذة جدا، ونستغرب أن تصدر الحكومة قرارا يرغم شريحة كبيرة من السوريين على مخالفة قرارات أخرى، أليس هذا ما يحصل مع آلاف السوريين العائدين من لبنان والأردن بعد زيارة قد لا تدوم أكثر من 24 ساعة؟
السؤال: لماذا لم تستثن الحكومة لبنان والأردن من قرار إلزام السوريين العائدين منهما من قرار صرف الـ 100 دولار؟.
ألا يكفي رسم المغادرة النافذ منذ عقود لنزيد عليه رسم صرف 100 دولار على سوريين يتقاضون رواتبهم وأجورهم بالليرة السورية؟
إذا لم يكن هدف الحكومة تأمين مصدر يومي للقطع الأجنبي من لبنان والأردن، كان يمكن استبداله بزيادة رسم المغادرة بدلا من إرغام عدد كبير من السوريين على اقتراف جرم التعامل بالدولار أو تهريب العملة الوطنية؟
ما ينقله الداخلون عبر المنافذ الحدودية مع لبنان لا يّصدق، فهم يصفون شباك تصريف الدولارات بـ “المنحوس”، ويسأل الجميع: بأي حق وبأي منطق تُلزم الحكومة السوريين الذين يضطرون لزيارات اضطرارية إلى لبنان بتصريف 100 دولار عند عودتهم؟ هل تقاضينا دولارات من لبنان؟ أو رواتبنا وأجورنا في سورية بالدولار؟
المسألة لا تتوقف عند خسارة مئات الألوف في ظل أوضاع معيشية مرهقة، وإنما بالإجابة على السؤال: كيف يمكن لحكومة أن ترغم مواطنيها على مخالفة قانونين وهما التعامل بالقطع الأجنبي، وبتهريب العملة الوطنية؟
الخلاصة: بحكم العلاقات العائلية والمصاهرة والفعاليات والأنشطة المختلفة بين البلدين، ومنعا لتضارب الأنظمة النافذة، وحرصا على تجنيب السوريين ارتكاب مخالفات قانونية باتهامهم بالتعامل بالعملات الأجنبية أو تهريب العملة الوطنية، نطلب من الحكومة استثناء لبنان والأردن من تصريف 100 دولار سواء بالسعر الرسمي أو الموازي، بعد أن تجيب بكل جرأة وصراحة: من أين سيؤمن زوار لبنان والأردن الـ 100 دولار لصرفها بالسعر الرسمي في “الشباك المنحوس”.