اقتصادصحيفة البعث

أين مولات الموظفين والبسطاء من التراخيص الحكومية واستثمارات الأغنياء..؟!

دمشق – علي بلال قاسم

في خصوصية المرحلة الراهنة من ظروف قاهرة وضغوط خارجية لاقتصاد مخنوق، تأخذ العقلية “الزئبقية” لأصحاب المال المكتنز والكبير بطولة استعراضية قوامها أموال مليارية تضخ بالميدان الخدمي والتجاري، حيث يشكل هذا القطاع عامل جذب مهم من صور موجباته تحريك الأسواق بجرعات ضد الركود وإنجاز محسوب لها قوامه التشغيل لجموع من العمالة اللاهثة لرواتب تتفوق – للأسف – على معاشات الدولة التي لا تسد الرمق في زمن الغلاء الفاحش وقسوة الأسعار على القدرات الشرائية المعدومة.

وأمام نشاط ريعي غير إنتاجي لا يمكن إنكار التسهيلات التي قدمتها الحكومة للمستثمرين، في محاولة لإنعاش الاقتصاد وتنشيط الحركة التجارية، حتى بتنا نشهد لقطاع المولات التجارية نشاطًا ملحوظًا، في وقت راحت حتى المؤسسات الحكومية والمنظماتية تجنح نحو استثمارات جديدة تتناسب مع الخطة الحكومية لتحسين إدارة أملاك الدولة وتصحيح استثمارها، باستراتيجية يراها خبير مقرب من أروقة التوظيف في المولات لسد العجز الاقتصادي عبر تسهيلات تقدم لجلب المستثمرين، وتأمين الموارد المالية، وتشغيل أكبر عدد من الأيدي العاملة من جهة أخرى، وهي السياسة التي تعتمدها الحكومة اليوم عبر استثمار العقارات والمنشآت التابعة لها بعقود جديدة تتناسب مع الخطة الجديدة للحكومة.

تشويهاً للتوجه 

ومع تشكيل خريطة متنوعة من العقارات العصرية والمتاجر الكبرى الفخمة والتي لا يمكن إقناع أي مهتم عارف أو مواطن عادي بأن له موطئ قدم فيها كزبون أو مستهلك، يخرج السؤال الحيوي: أين مولات الفقراء والموظفين والبسطاء من حسابات الأغنياء؟ وهل مراكز التسوق في كل دول العالم المتطور والنامي والصاعد حكراً على “الزناكيل”، رغم أن الدكتور أحمد حسن “المراقب والمحلل” يرى في الحالة المحلية خللاً واضحاً وتشويهاً للتصور الحكومي الرامي لتأمين أسواق تناسب كل الشرائح الاقتصادية والفئات الاجتماعية، ففي تجربتنا السورية – حسب وصفه – يتجسد الخلاف والاختلاف لما تمتاز به المولات التجارية في دول أخرى بتوفير أسعار منافسة ومناسبة لجميع الطبقات، فرواد مولات دمشق يقتصرون على الأغنياء فقط، ممن يسمون “الطبقة المخملية” في المجتمع، ولا مكان لأصحاب الدخل المحدود نظرًا لارتفاع أسعار السلع داخل المولات مقارنةً بالأسواق والمحلات خارجها، رغم أن هناك تجارب وحالات يصر فيها المستثمرون وأصحاب المتاجر على الترويج بأن الأسعار لديهم منافسة واقتصادية، ولكن بجولة بسيطة جداُ تكتشف أن سعر “بسكوته” وطنية غير مستوردة لا تتعدى تكلفتها الألفي ليرة يصل إلى 10 آلاف ليرة وحوض نبات زينة صغير بمليون ونصف، وفي تعرفة الألبسة والأحذية والأغذية أرقام خيالية جداً لا تكتب على أي قطعة أو سلعة – إذا اعتبرنا أن المولات خارج الرقابة التموينية – لجهة شرط الإعلان عن الأسعار.

تجربة الصالات

مسؤول في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك اعتبر أن صفة المولات في التجربة المحلية حكر على ذوي الغنى الفاحش كمستثمر وزبون، ولا ترتبط بالمواطن البسيط في قدراته الشرائية إلا بجزئية ” الفرجة والتحسر”، و”الشم بلا تذوق”، وفي أحسن الأحوال مجرد سيران في متعة الرفاهية يقتصر على “التمشاية” وتغيير الجو من بوابة “خلينا نتفرج عالعالم”. أما مولات الفقراء – كما يؤكد المسؤول الذي طلب حجب اسمه – فهي موجودة في الأحلام فقط، إلا إذا اعتبرنا صالات المؤسسة السورية للتجارة “مولات” ولكنها مصغرة ومقتصرة على المواد الغذائية الأساسية والأخرى المدعومة، وفي تجربة صالات الدولة لا يمكن التوسع حتى لا تخرج من عباءة الحماية ودور تحقيق التوازن في السوق ومسؤولية توفير السلع ولو بحدود التكلفة وأحياناً الخسارة التي لا يقبلها مستثمر أو تاجر المولات بشكلها الخاص والمنتشر هذه الأيام، علماً أن الكثير منهم يحاول الترويج والتأكيد للأوساط الحكومية صاحبة منح الترخيص أن البعد الاجتماعي حاضر بقوة في استثماره الذي لايعدو عن كونه ريعي ربحي لا إنتاجي اقتصادي تنموي.

“الحمائية”

بكل الأحوال فإن الحديث عن خصوصية وطبيعة الأسعار في أسواق “الكلاس” و”الذوات” لا يحتاج لشهادات وإفادات فالواقع أصدق إنباءاً من الكتابة في هذا الحيز أو غيره ، وبالتالي فإن لهذه المولات ناسها والكلام عن فارق كبير في ثمن السلع الباهظة داخل المولات وخارجها طبيعي، ولكن يبقى السؤال قائماً: أين مولات الفقراء؟ هو سؤال نعيد تكراره على مسامع أحد المستثمرين الكبار والدسمين في عالم مولات الأغنياء، ليأتي الجواب مقتضباً جداً: تلك المولات مسؤولية الدولة “الحمائية”، أما نحن لا نرى سوى الربح المضمون في هكذا نشاطات، ونحن تستهدف شريحة محددة تتباهى بالسعر الغالي ولا يهمها تفع ما يطلب منها دون جدال، أما زبون المفاصلة والمجادلة في السعر نتركه لهواة ومدمني “وجع الرأس”.