ساحة جديدة للعبة واشنطن الجيوسياسية
عائدة أسعد
وصفت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي بأنها ثقل موازن متحالف مع الولايات المتحدة لنفوذ الصين المتزايد في العالم النامي، وذلك في جلسة استماع للكونغرس الأسبوع الماضي، حيث سعت إلى حشد دعم الكونغرس لدعم هؤلاء المقرضين مالياً.
وقالت يلين: “إن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي يعكسان القيم الأمريكية، وقيادتنا في هذه المؤسسات هي إحدى طرقنا الأساسية للتعامل مع الأسواق الناشئة والبلدان النامية”.
وما تجدر الإشارة إليه أن ملاحظات المسؤولة الأمريكية تكشف عن تصميم إدارة جو بايدن على تحويل المؤسسات المالية متعددة الجنسيات التي تم تأسيسها لتعزيز التنمية المشتركة للعالم إلى ساحة جديدة للعبتها الجيوسياسية، بالإضافة إلى تحويلها من السلع العامة العالمية إلى أدوات للولايات المتحدة للحفاظ على وجودها وهيمنتها.
من المفروض أن يعكس صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي مصالح جميع الدول الأعضاء بدلاً من مصالح الولايات المتحدة وحدها، ويجب أن يكونا أيضاً منصات للتعاون الدولي مما يعكس ديمقراطية أكبر في العلاقات الدولية.
بعد فترة وجيزة من إدلاء يلين بتصريحاتها، انتقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش استجابة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لوباء كوفيد، ووصفها بأنها فشل ذريع، بسبب ترك عشرات الدول مثقلة بالديون، قائلاً: “إن الوباء كان اختبار ضغط للمنظمات”.
كما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أن صندوق النقد الدولي قد أفاد الدول الغنية بدلاً من الدول الفقيرة، وهذه ليست المرة الأولى التي يطالب فيها بإصلاح المؤسسات المالية العالمية. كما تعكس هذه الدعوة إرادة مشتركة للعالم النامي، لأن صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي لا يعالجان الاحتياجات التمويلية للاقتصادات الأقل نمواً، بل أصبحا أكثر استعداداً للوفاء بالمزايدة الأمريكية.
ولهذا السبب، تم تأسيس المزيد من البنوك الإقليمية متعددة الجنسيات، مثل بنك التنمية الآسيوي، وبنك التنمية الأفريقي، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وبنك التنمية الجديد من أجل تسهيل حصول البلدان النامية على التمويل لتطوير بنيتها التحتية.
يتوجب على الولايات المتحدة ألا تستخدم قوتها التصويتية لتسييس صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، أوحتى إدخال المواجهة الجيوسياسية في هذه المؤسسات المالية متعددة الأطراف، وبالتالي تقويض عمل هذه المنظمات في الاستجابة لأزمات مثل الركود الاقتصادي العالمي والوباء وتغير المناخ.
إن واشنطن على مدى السنوات القليلة الماضية قد أعاقت بالفعل عمل منظمة التجارة العالمية لمصالحها الخاصة، مما جعل الدول تقلق بشأن تأثير تجزئة التجارة على الاستقرار الاقتصادي العالمي والتنمية، وهاهي الآن عازمة على تكرار نفس الحيل.
ومع اتجاه إزالة الدولرة الذي يحدث في البلدان النامية حول العالم، فإن تسليح واشنطن للمؤسستين الماليتين لن يؤدي إلا إلى زيادة تسريع هذه العملية، وتقسيم العالم إلى معسكر أمريكي والآخرين في القطاع المالي.