ثقافةصحيفة البعث

“نبض موسيقي”.. لوحات من الشرق والغرب في يوم الموسيقا العالمي

حلب – غالية خوجة

كأنما السينوغرافيا الحالمة شعّت بتلاوينها وإضاءتها من ديكور مسرح دار الكتب الوطنية، فأغمض الأزرق عيناً وفتح الأخرى، تماماً، فعلَ اللون الأرجواني وهو يتدرج مع الخلفية المعتقة بلون الذاكرة الترابية المضاءة بتدرجات الشمس والقمر، والمزخرفة برموز وعلامات موسيقية تدور حول مفتاح “الصول”، وما إن تبدأ الوتريات بالعزف، حتى تشعر بأنك انجذبت إلى حالة تنسيك آلامك قليلاً، وتذكّرك، دائماً، بأن سورية الوطن الذي لا يعرف إلاّ أن يشعّ حضارة رغم كل الجراح والظروف لأنه الوطن الحي والحيوي، فأرضه هي التي أنجبت للعالم أول أبجدية حروفية وأول “نوتة” موسيقية، وهذه الأرض تحتفل بيوم الموسيقا العالمي الذي أورثته أول أنشودة أوغاريتية ابتهالية مكتوبة “نيكال”.

موسيقا العصور

ولأن حلب تحبّ الأدب والطرب، تراها تحتفل مع المحافظات السورية بهذا اليوم (21 حزيران)، وتوقد شمعته الإحدى والأربعين، واثقة بأن الموسيقا كما قال عنها الكثيرون، ومنهم فيكتور هوغو: “تعبّر عما لا يمكن وصفه بالكلمات، وما لا يمكن أن يظل صامتاً”، وهذه اللغة الإنسانية تجلّت مع السينوغرافيا الزرقاء والحمراء كلوحة أخرى من لوحات أمسية “نبض موسيقي” التي أقامها وأحياها تشاركياً كلّ من المايسترو عبد الحليم حريري رئيس مجلس فرع حلب لنقابة الفنانين، والمايسترو شادي نجار قائد أوركسترا صَبا، وباقة من الفنانين في الموسيقا الغربية والشرقية، ضمن تمازج رهيف ومناسب انتقل بنا إلى مراحل تاريخية مختلفة، عبرت من المقامات إلى الفلكلور إلى الكلاسيك إلى الصياغة الحديثة لبعض المقطوعات، وإلى التأليف الجديد لبعض المعزوفات، إضافة إلى مقطوعة “دويتو” ختامية بين نجار وحريري.

هارمونية البياتي مع ضربات الجاز

وعن مشاركته قال المايسترو شادي نجار: نحتفل باليوم العالمي للموسيقا لنؤكد بشكل متجدّد أن الموسيقا تبقى في بلدنا الحبيب سورية لغة ثقافة، ومنهاج حضارة، من خلالها نرتقي بأنفسنا لتعانق أرواحنا وأرواح الناس، خطوة متجددة لنوحّد نبض قلوبنا مع بعضنا البعض حول هدف الثقافة والحضارة، ونقدم رسالة حب، ونقول للجميع بأننا ورغم الظروف السيئة التي نعيشها تبقى موسيقانا التي هي ثقافتنا حاضرة، وحفلنا مؤلف من 3 أقسام، ندور عبْرها حول عصور مختلفة، في القسم الأول عصر الباروك مع مقطوعة لهانديل، وعصر الكلاسيك ومقطوعة لموزارت، وعصر الرومانتيك ومقطوعة لبراهامز، وحاولت في القسم الثاني أن أصوغ بشكل حداثي متجدّد موسيقا شرقية وغربية، البياتي مع ضربات الجاز، وجمل موسيقية شرقية تعانق هارموني غربي، وهي خطوة تقول لدينا انفتاح دائم ودائماً على الثقافات الموسيقية الأخرى، وهو يغنينا، وقدمت من تأليفي مقطوعة “روح”، كما حضرت معنا مقطوعة “سألوني الناس” للرحابنة، ومقطوعة “عصفور طل من الشباك” لمرسيل خليفة وأميمة خليل، ومقطوعتين لزياد الرحباني، ومقطوعة باللغة الإنكليزية، والقسم الثالث يحتفي بالموسيقا الشرقية ومنها مقطوعة “فرح” لحريري، ومقطوعة “النهر الخالد” لمحمد عبد الوهاب، و”امتى الزمان”، إضافة لمقطوعات ارتجالية.

ضرورة ثقافية نفسية اجتماعية

بدوره، رأى المايسترو حريري أن الموسيقا تاج الحضارة ومرآتها، وتخصيص يوم عالمي للاحتفال بها هو ضرورة ثقافية للتأكيد على أهميتها وتأثيرها النفسي والاجتماعي، وحفلنا قدم أنماطاً موسيقية متعددة بدءاً من الموسيقا الكلاسيكية الغربية إلى الموسيقا والغناء العربي، وكذلك تضمن موسيقا تراثية ومعاصرة وعربية وغناء تراثياً عربياً، وقدمت من تأليفي مقطوعتين هما “الفرح”، و”ارتجالات”.

التراث بأطياف المقامات

كما أكدت رنا ملكي رئيسة دائرة المسرح القومي بحلب على أهمية الموسيقا كحياة، وهي في هذا اليوم تعكس حالة الانسجام الروحي، فنسافر إلى عالم من الخيال مع الآفاق الإبداعية، وتأخذ الموسيقا العربية دورها في العالم مع الحفاظ على هويتها وأصالتها، لأننا نستمع إلى عالم من الإحساس والشعور السامي الذي تتلاقى فيه أطياف التراث الحضاري رصداً وبياتاً وحجازاً ونهاونداً وصبا.

بين التيتانيك وفيروز

ومن الحضور، عبّر الطفل حمزة صفاف من الصف السادس عن حبه للموسيقا، وكيف اتفق مع عائلته على الحضور لأنه يحب الإيقاع ويمارسه على “الدربكة” ويحلم أن يكون يوماً مع آلة “الدرامز”، وأضاف: هذه الأمسية جعلتني أحب الموسيقا الكلاسيكية أيضاً، وشعرت وكأنني على سفينة “التيتانيك”.

بينما شعرت السيدة أم جورج بأنها سمعت عزفاً كلاسيكياً جميلاً، لكنها تفضّل الموسيقا الشرقية لأنها تربّت عليها، ولاسيما فيروز التي ترافقها منذ الطفولة.

ونذكر أن حلب تحتفل بيوم الموسيقا العالمي بعدة فعاليات، منها أمسية موسيقية للبيانو والقانون والكمان بعنوان “الموسيقا بين سمو الكلمة ونفحات الزمن الجميل”، و”الموسيقا تجمعنا”، وندوة بعنوان “دور الموسيقا في العلاج”، وأمسية يحييها طلاب معهد صباح فخري.