“6+6” ومسار التوافق الليبي والانتخابي
ريا خوري
بعد فترة جمود استمرت بضعة أشهر، اتفقت لجنة “6+6” على قوانين الانتخابات الليبية بعد تعثر إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية. وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خالد المشري، قد وصل إلى العاصمة المغربية، برفقة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ليشرفا على توقيع الاتفاق الخاص بالقوانين الانتخابية، حيث جاء الاتفاق على جملة القوانين الانتخابية ليتوّج أعمال اللجنة المكلفة من المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب في ليبيا بإعداد القوانين الانتخابية، وهي اللجنة المعروفة باسم “لجنة 6+6” بمعنى (6 ممثلين عن كل مجلس).
كانت لجنة “6+6” قد انتهت من وضع القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة، وأقرّت بالإجماع نصوص القوانين الانتخابية الجديدة، التي تضمنت نقطتين أساسيتين أكّدهما مسؤول ليبي، وهي أنّ اللجنة توصلت إلى تفاهمات وصفت بغير المسبوقة في ملف قوانين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، أهمها مسألة ترشح مزدوجي الجنسية لرئاسة البلاد، وزيادة مقاعد مجلس النواب ليصل إلى 300 نائب ليبي.
الإعلان الذي تمّ قبل عدة أيام بمدينة بوزنيقة المغربية، بعد عدة جولات تفاوضية، لم تخلُ من صعوبات وعقبات، لكن لجنة “6+6” التي أحدثت بموجب مقتضيات التعديل الدستوري الليبي رقم 13 الذي اعتمده مجلس النواب في هذا المجال، وهي تضم ممثلين عن مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، تمكنت من تجاوز الخلافات، والتناقضات المتضاربة، واتفقت بإجماع أعضائها بشأن القوانين، والتشريعات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية الليبية، وانتخابات مجلس الشورى بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ).
الجدير بالذكر أنه تمّ الاتفاق على سنّ قوانين وتشريعات تدعم فتح المجال أمام جميع الأحزاب السياسية للمشاركة في الانتخابات، بما يدعم قوتها ومكانتها داخل المشهد السياسي في ليبيا، ويسمح أيضاً بمشاركة الشباب، والنساء في هذه العملية بعيداً عن أي إقصاء أو تهميش أو تمييز، وهكذا تمّ التوافق على رفع عدد أعضاء مجلس النواب من 200 إلى 300 عضو، ومجلس الشيوخ من 72 إلى 90 عضواً.
من الواضح أنّ هذه الجولة من التفاهمات، التي تمثّل أول اجتماع للّجنة خارج ليبيا، قد مرّت في أجواء إيجابية، وفي إطار من التوافق على الكثير من النقاط التي كانت خلافية، وبعيداً عن أية ضغوطات أو إملاءات أجنبية كما كان يجري في السابق، حيث تمّ التأكيد على مواصلة التفاوض، والحوار لأجل تجاوز مختلف النقاط الخلافية والقضايا الإشكالية، حيث ينتظر التوقيع على اتفاق لجنة “6+6” واعتماد القوانين من لدن مجلسي النواب والدولة خلال الأيام القليلة القادمة.
لقد شكّل اللقاء فرصة مهمّة لمناقشة مختلف القضايا العالقة، والنقاط الخلافية بين الأطراف، وقد كان من الطبيعي أن تخيّم مجموعة من العقبات، والصعوبات، والتحديات على مسار المفاوضات التي استمرت طيلة عدة أشهر قبل التوافق النهائي، حيث احتدم الخلاف الحاد بشأن عدد من القضايا الشائكة والمعقدة، كما هو الأمر بالنسبة لترشح العسكريين، وتحديداً الضباط، وذوي الجنسية المزدوجة، ورموز النظام الليبي السابق.
لقد أكد كبار المراقبين والمحللين السياسيين أن الاتفاق يجسّد محطّة أساسية في مسلسل الحلّ السياسي الذي أرسته مخرجات “اتفاق الصخيرات”، ودعمته الأمم المتحدة، ورعته المملكة المغربية التي احتفظت بالمسافة نفسها مع الفرقاء الليبيين.
إن العمل الجاد من أجل مستقبل ليبيا يتطلّب بذل الجهود، وهذا التوافق هو بمثابة إقرار بأهمية الحوار السلمي في ليبيا، وفي بلورة حلول مستدامة للمشكلات العالقة تخدم الأمن والاستقرار داخل ليبيا، وتوفر شروط الانكباب على أولويات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية.
خطوة الاتفاق تلك تنطوي على قوانين تؤطر العملية الانتخابية في ليبيا بشكلٍ جيد وسليم، وهي على قدر كبير من الأهمية لاقترانها ببناء المؤسّسات والإدارات والهيئات، واستكمال خريطة الطريق التي ينتظرها الشعب الليبي.
وجدير بالذكر أن المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا السيد عبد اللهِ باتيلي، صرّح سابقاً أن ليبيا يمكن أن تشهد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قبل نهاية العام الجاري ٢٠٢٣، في حال تمكّن الليبيون من تجاوز الخلافات العالقة، وإرساء توافقات، وتوازنات بشأن القوانين الانتخابية الجديدة.
وفي حقيقة الأمر، ما زالت هناك تحديات وصعوبات تواجه كسب هذا الرهان الكبير تعكسها بعض الأصوات من داخل مجلسي النواب والدولة بمؤسّساتها، التي ترفض أو تتحفظ على مقتضيات هذا الاتفاق العملي، وهي امتداد للإشكالات والصعوبات التي واجهت الجهود الحثيثة المبذولة منذ أن تمّ الإعلان عن الهدنة في عام 2020.
في هذا السياق تنشأ العديد من التساؤلات، حول ما إذا كان الأمر يتعلق بحسابات سياسية أو أجندات ضيقة تعكس الرغبة في بقاء الوضع على ما هو عليه، أو بضغوطات خارجية تنحو إلى الاستفادة من حالة التفتت والتشظي التي تطبع الوضع السياسي الليبي.