دولينو في المتحف الوطني.. حقيبة سلام من البرازيل إلى أرض السلام
أكسم طلاع
استضافت قاعة الذهب في المتحف الوطني بدمشق معرض الفنان البرازيلي دولينو الذي يعدّ من أهم عشرة فنانين في العالم، وصاحب عشرات المعارض في العالم، حيث تتوجّه أعماله نحو سبر عوالم تعبير أكثر حداثة وأرحب أفقاً للتأويل في استمرار لما بدأه الفنان البرازيلي إيفان سيريا في ريودي جانيرو، ومانابو مابي في سان باولو الذي يعدّ رائد الحداثة التشكيلية البرازيلية والمولود في ثلاثينيات القرن الماضي متأثراً فيما بعد بركب تشكيلي عالمي يقوده كاندينسكي وكوكبة من التجريديين الأوروبيين، فاتحين أبواب الحداثة والتجريد على أوسع مجالاته لتشمل الفنون والموسيقا والأدب.
والبرازيل بلد غنيّ بالفنون والفنانين، ونحن اليوم في دمشق نستضيف أعمالاً تجريدية برازيلية، نعم، لكنها قريبة بروحيتها من فنون الشرق التجريدية، وخاصة الهندسية منها والتي تفتح الحدود أمام التأليف في رغبة غير متناهية عند حدود، كما تتمتّع بمبادئ تقوم على إلغاء البعد الثالث والتشبيهية وتعتمد اللون والخط كأدوات إشارية، ولتجربة الفنان دولينو خصوصية منظمة قائمة على حرفية ورزانة في التكوين والبناء، حيث يعتمد حدوداً صريحة وقاطعة كالسكين بين المساحات الملوّنة، فلا مجال للعاطفة الصريحة في التصميم والتنفيذ، وقد يعتمد عائلة من الألوان تربطها حوارية التجانس القائم على التضاد والتقابل مع مراعاة شديدة لحدود التأثير والشدة التي تمنح مساحة العمل صفة التكامل والتوازن، فضلاً عن الاختيار الخبير لقطع اللوحة وعلاقة الطول والعرض كأبعاد هندسية تحتوي مجموع القطع القطوع الملونة والمتفاوتة في المساحة فيما بينها لكنها تتفق وتتساوى في عدالة الجمال التي يبنيها الفنان برؤية تحتمل سعة التأويل والاختلاف بين المتلقي والآخر.
وسبق وأن استضافت دمشق عدداً كبيراً من المعارض التشكيلية التي كانت تقام بمعية سفارات تلك الدول المهتمة بتعريف الشعب السوري على ثقافة بلادهم، ولعلّ دول أمريكا اللاتينية هي الأكثر حظوة في العرض، وخاصة قبل الحرب.
والجديرُ ذكره أن وزارة الثقافة بالتعاون مع المغتربين السوريين في فنزويلا أقامت معرضاً مهماً للفنانين التشكيليين السوريين في السنوات الأولى للحرب، وقد أتى المعرض بنتائج عالية، منها أن سورية التي تتعرّض للعدوان والحرب الإرهابية لا زالت تبدع وترسم رغم جراحها في رسالة للعالم أن ما يحصل هو استهداف للحضارة والخير والسلام والجمال.
وأُقيم هذا المعرض بالتعاون ما بين وزارة الثقافة والسفارة البرازيلية وبرعاية من بعض الجهات الخاصة الداعمة، تأكيداً على أهمية الفنون والثقافة في مدّ جسور السلام والمحبة بين الشعوب وتلبية لحاجة روحية توحّد البشر والأمم وتبني عالم العدل والمحبة وتنفي أدوات العدوان والكراهية.
لقد عانت البشرية من ويلات الحروب والأطماع ولا زالت تعاني، وما أساطيل الدمار الموزعة في بحار العالم إلا نذر شرّ يتربص بهذا الكوكب الجميل. وبالمقابل نجد سفراء الحب والثقافة يحملون لوحاتهم وقصائدهم وتاريخهم الغنيّ بمآثر تفيض بالخير على الآخرين، وهذا المعرض للفنان البرازيلي ما هو إلا حقيبة من سلام قادمة من بلد صديق إلى أرض الحضارة والسلام سورية التي تفتح متاحفها وتاريخها وقلبها لأصدقائها.