ثقافةصحيفة البعث

“خطوات الماء السبع”.. سردية توثيقية مقرونة بالتاريخ

أمينة عباس

بعد أن جال الروائي أيمن الحسن في “دفاتر الزفتية” و”باب الجابية” يحطّ رحاله في روايته “خطوات الماء السبع” في حي القيمرية عام ١٩٨٢، متابعاً فيها الخلط بين سيرته الذاتية وسيرة دمشق والعودة إلى ماضٍ ليس ببعيد ترك آثاره على روحه وذاكرته وقلمه، مؤكداً في الندوة التي أقيمت مؤخراً في المركز الثقافي العربي (أبو رمانة)، وشارك فيها الكاتبان حسين عبد الكريم ورياض طبرة والناقد عمر جمعة، أنه كان حاضراً في كلّ رواياته التي يحاول فيها توثيق الحالة الوطنية مع السيرة الذاتية وحالة المجتمع بشكل عام، مشيراً إلى أن العنوان أتعبه كثيراً لأنه صلة الوصل الأولى بين الرواية والقارئ، فإن جذب القارئَ أقبل على قراءة الرواية، دون أن يخفي أنه كان محتاراً في اختيار العنوان المناسب لهذه الرواية التي تتحدث عن مجموعة من الشباب الجامعيين في فترة الثمانينيات، فترة حصار بيروت، حيث تتوقف مسيرتهم نتيجة الحصار بعد أن حققوا سبع خطوات باتجاه القومية العربية، منوهاً بأن الكاتب يحب أن تهدى إليه عيوبه، وأن الكتابة والنقد مختلفان لكنهما يتفقان على أن التذوق أساس فيهما.

أوراق الماضي

وأشارت إلهام سلطان التي أدارت الندوة إلى أن عنوان الرواية كان في البداية “بطعم الحب والعلقم”، ثم “بحثاً عن زويا”، فـ”بيت القيمرية”، لتنتهي إلى “خطوات الماء السبع”، وقد أهداها الكاتب إلى دمشق قلب العروبة النابض وبيروت فلّ المدن، وفيها يعود الحسن إلى الذاكرة لينبش أوراق الماضي، وليغدو متحرراً من ثقل يجثم على قلبه وقلوبنا، ويتجلّى فيها كاتباً ومؤرخاً وعاشقاً جريئاً، منوهة بأن روايات الحسن “دفاتر الزفتية” و”باب الجابية” و”خطوات الماء السبع” تشكل ملحمة سورية وذاكرة وطنية.

لغة دافئة

وأكد حسين عبد الكريم في مشاركته أنه ليس منظّراً بل عاشقاً للكاتب ولغته وبساطته، متوقفاً عند عنوان الرواية متمنياً لو كان أيمن الحسن أكثر جنوناً فيه، وفي قصص الرواية التي نشر من خلالها حنينه بهدوء عبر لغة دافئة محملة بذكرياته وجماليات روحه، في حين أنه هو (عبد الكريم) ميال إلى الجنون وإلقاء القبض على العاصفة في الكتابة، مؤكداً أن اختيار الكاتب لدمشق لتكون حاضنة لأحداث روايته وهي أم عملاقة للأحلام الكبيرة لم يكن أمراً هيناً عليه أو على أي كاتب يريد أن يلتقط بيئتها وهي بيئة بألف بيئة، تزدحم فيها كل البيئات.

ملحمة دمشقية

ويشير رياض طبرة إلى أن هذه الرواية هي الأقرب إلى قلبه من الروايات السابقة للحسن لأنه عاش في تلك المرحلة في حي القيمرية الذي سكن فيه حوالي 14 عاماً، والذي يُعدّ من أعظم أحياء دمشق، وفيه كانت تُحلّ المشكلات بالمودة، أما حالة العشق التي تحدث عنها الكاتب في روايته فقد رآها طبرة حالة طبيعية، وقد تكون متكررة، وهو بذلك لم يتحدث عن نفسه فقط بل عن كل عشاق دمشق القديمة، مبيناً أن المكان في هذه الرواية هو بطل دائماً كما في رواياته السابقة، مع تأكيده أن هذه الرواية و”دفاتر الزفتية” و”باب الجابية” تشكل ملحمة دمشقية تمجّد المكان، موضحاً أن الحسن روائي عاشق للرواية، وأنه في هذه الرواية الغنية بالسياسة والتاريخ عبَّر عن أفكاره ومواقفه السياسية، وما يؤخذ عليه المباشرة في مضمونها.

علو السرد الشعري

ويشير عمر جمعة إلى أن أيمن الحسن يعود في هذه الرواية إلى أكثر من حقبة زمنية، وكأنه يريد محاكمة التاريخ، زمن الاجتياح الصهيوني وحصار بيروت عام 1982 في محاولة منه لتبيان إرهاصات وأحداث الحقبة بمكاسبها وخساراتها، راصداً مجموعة من الشبان الذين ينزعون إلى قلب البنى الاجتماعية والسياسية، وهو الأسلوب الوحيد برأي شخصيات الرواية للتغيير، ولكن كل هذا يقابَل بالمحاربة والحصار، مبيناً أن الرواية سردية توثيقية مقرونة بالتاريخ لأحداث شكلت منعطفاً في التاريخ العربي عبر شخصيات بدت -والكلام لـ جمعة- مضطربة كشخصية العاشق الذي يحبّ ثلاث نساء، وهي نتاج الواقع المضطرب الذي حاول الحسن رصده بعتبات سردية استثمرها بشكل حقيقي في الرواية التي يتحدث فيها عن نفسه وأفكاره. وأوضح جمعة أن ما يؤخذ على الرواية أنه في الوقت الذي يستمتع فيه القارئ بعلو السرد الشعري وبراعة الكاتب في استثماره وتوظيفه بشكل صحيح تحلّ الجمل المباشرة التي تتعلق بالأيديولوجيا التي أثقلت السرد وحركته، وتمنى جمعة لو خفّف الكاتب من هذا العبء الذي أثّر على السوية السردية.

يُذكر أن رواية “خطوات الماء السبع” صدرت حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب.