ثقافةصحيفة البعث

العلاج بالموسيقا الآن تراث لا مادي يسترجع البيمارستان

حلب – غالية خوجة

منذ الوشيش الأول للكون، واهتزازاته وارتداداتها، والموسيقا عالمنا اللا مرئي وتراثنا اللا مادي الذي يرافقنا منذ المرحلة الجنينية لتكون نبضات أمهاتنا تلك الموسيقا الأولى التي تتغلغل إلى روحنا وجسمنا معاً، معبّرة عن حالاتنا المختلفة من فرح وحزن وتفاؤل، لذلك، هي دواء غير ملموس للكائنات الحية ومنها الإنسان، لكن، كيف نوظفها في المعالجة للحالات النفسية مثل الكآبة والتوتر؟ وللحالات البيولوجية مثل السرطان والزهايمر؟ وللحالات الأخرى مثل التوحّد والمنغوليا؟ وهل هناك موسيقا خاصة بكل عضو من الأعضاء مثل القلب والرئة؟ وما دور التعلّم على آلة موسيقية في الشفاء؟ وبالمقابل، من الممكن أن توظف الموسيقا بشكل سلبي مثل موسيقا الديجيتال الإلكترونية الأقرب إلى التعاطي والإدمان، فكيف نعالج هذه الحالات؟.

دواء وإبداع

حول الكثير من هذا الفضاء المفتوح بين المنصة والحضور، دارت في صالة تشرين محاور ندوة “دور الموسيقا في العلاج”، التي أقامتها مديرية التراث اللا مادي ومديرية الثقافة والجمعية العربية المتحدة للآداب، والتي كان رئيسها الباحث عبد القادر بدور، مقدماً ومديراً لها، والذي تحدث عن الموسيقا والعلاج بها كإبداع إنساني متأصل في سورية منذ آلاف السنين، وتابع: للموسيقا سحرها، وللمقامات دورها الموائم لبعض الأمزجة، ومنذ مئات السنين نعرف أن في حلب البيمارستان الأرغوني، وفي دمشق البيمارستان النوري، وهذه البيمارستانات كانت أشبه بالمشافي الحديثة، وكان فيها أجنحة للعلاج باستخدام الموسيقا، والبيمارستان سيستعيد ذكرياته مع إعادة إحيائه، لافتاً إلى يوم الموسيقا العالمي الذي نحتفل به ونحن السوريون منتجو ومبدعو موسيقا وصانعو سلام للعالم.

ثم وجّه بدور عدة أسئلة للدكتور المحاضر عبد الله الشحنة عن كيفية المعالجة موسيقياً وضمن أية منظومة إيقاعية، وكيف نوظفها لإزالة آثار الصدمة الجوانية للذات، سواء أكانت صدمة وجدانية أم اجتماعية ناجمة عن مواقف إنسانية أخرى أم مرضية أو ناتجة عن الكوارث مثل الحرب وكورونا والزلزال؟.

تحويل المعادلة النفسية موسيقياً

بدوره، بدأ الشحنة، دكتوراه في العلوم الصوتية، محاضرته من فوائد الموسيقا مع ذوي الاحتياجات الخاصة، ومع الزهايمر الذي تمّت معالجة أحد المرضى بحلب من خلال معزوفة معينة لأم كلثوم، كان لها مفعولها التحفيزي لتنشيطه، فبدأ يستجيب ويتخيّل ويستعيد بالتدريج كلام الأغنية وذكرياته، وكذلك لها فوائدها مع الذين يعانون من الحبسة الكلامية والتأتأة، وكانت معنا الطفلة ميرنا جمعة التي تخلصت من تكرارها للكلمة 5 مرات من خلال تنظيم الرئة إيقاعياً لأن عملية التنفس أساسية للتهدئة وطرد الأكسدة وتنظيم الحالة النفسية، وعزف الدكتور المحاضر على آلة العود ورافقه صوت الطفلة التي غنّت لأم كلثوم بثقة جميلة.

وأوضح الشحنة العلاقة التواشجية بين الموسيقا وتكوين الإنسان والكون والأرض ذات الاهتزاز (136،1)، وكيفية استعادة التوازن النفسي عصبياً من خلال اللعب على سلوك الدماغ ليحقق الإنسان هذه النسبة من الاهتزازات من خلال ضرورة التفريق بين الإنصات والاستماع، والوصول إلى حالة إصغاء تأملية من أجل تحقيق أعلى نسبة من الفائدة العلاجية الموسيقية ونحن نغوص بحواسنا إلى اللاوعي كذاكرة مستديمة لتغيير سلوك هذا اللا وعي، لتصل الموسيقا إلى أعصاب الدماغ، وبالتالي تساعده على تغيير سلوكه النفسي وتوازنه الكيميائي مع ذاكرته والوعي ومع ذاكرة القلب، فتبدأ التغيرات الهارمونية والكيميائية بالتفاعل النشط الإيجابي منتجة هرمونات السعادة.

وتابع المحاضر: ثم، من خلال تقنيات الموجات الصوتية (أو أتش أم ـ Ohm)، وهذه التقنية تحتوي جميع الأصوات كما الضوء الأبيض الذي يحتوي جميع الألوان، ويليها تطبيق التناغم الصوتي مع هذه الموجات لتفعيل الموسيقا اللامنطقية، أي اللا مألوفة لمن اعتاد على الموسيقا المنطقية المألوفة، لأن الموسيقا المنطقية تحاكي الوعي بينما الموسيقا اللا منطقية تحاكي اللا وعي، وذلك لإزالة آثار الصدمات النفسية لا الصدمات ذاتها، عبْر مراحل تنتقل من حالة التخيّل إلى حالة انزياح المشكلة وآثارها السلبية، إضافة لدور الموجات المسموعة والمحسوسة والمقاسة، مع ضرورة الانتباه إلى التقنيات والأدوات المستخدمة مثل الضغط على منطقة معينة في الرأس، وشوكة أوم الرنانة كموسيقا محسوسة وهي تكنولوجيا مصغرة في الآلات الموسيقية الصوتية ذات الصوت الثابت.

وأضاف الشحنة: وعالجنا بهذه الشوكة كثيراً من المصابين بصدمات الحرب، إضافة للمصابين بانتكاسات نفسية بيولوجية مثل مرضى السرطان، أو المصابين بانتكاسة اجتماعية أو عاطفية. وتابع: الجسم يسمع أيضاً وليس فقط الأذن، وكل حركة في العالم هي صوت اهتزازات، وللأرض صوتها الذي سمعه البعض أثناء الزلزال وتمّت معالجتهم بالموسيقا، كما عالجنا البعض من ذوي التفكير الانتحاري في مراكز اللجوء بطريقة الإسعاف النفسي، واستغرقت هذه الطوارئ بين 16 دقيقة إلى ساعة، وكذلك كانت لها نتائجها الإيجابية مع ذوي الاحتياجات الخاصة لما لها من تأثير تنشيطي على الأعصاب الاحتياطية الدماغية، وحركتها التفاعلية في الاستجابة للإشارات، والمتبعة ضمن معادلة تحوّل الحالة السلبية إلى إيجابية، وهذه النتائج ملموسة في علاج الصدمات ما بعد الزلزال والتي عالجت 2667 حالة بنجاح، ولذلك، نحن نسعى لإيجاد مركز تخصصي للعلاج بالموسيقا في حلب.