ثقافةصحيفة البعث

تقاطعات نقدية لمجموعة رنا محمود الشعرية الجديدة “الروناليزا”

ملده شويكاني

على صخرتي العالية

حين يفصح غيث الكلام

ويعلو سيف البيان في تنزيل القول

لاشيء في معاني الرجولة

قبل الوفاء

“على صخرتي العالية” إحدى القصائد النثرية التي تضمنتها المجموعة الشعرية للشاعرة والفنانة التشكيلية رنا محمود بعنوان “الروناليزا” المأخوذ من اسم لوحة الموناليزا، وقد تقصّدت الشاعرة استبدال حرف الميم بحرف الراء دلالة على اسمها وتنويهاً إلى التصاق القصائد بذاتها. وتأتي المجموعة الصادرة عن دار توتول ضمن مسار رنا محمود الشعري في تعظيم الأنثى، التي كانت في العهود الغابرة رمزاً للآلهة والملكة وقائدة الجيوش، فهي في الروناليزا سرّ الوجود، وفي الوقت ذاته تملك قوة الحبّ التي تجمع بين التمرد والقوة والرقة، فتقول في القصيدة ذاتها:

في الحب لي رقرقة الأنوثة

وأجنحة الفراشات

فحفلت الروناليزا بتقارب ما مع الموناليزا بسرّ ابتسامتها التي عبّرت عن كل المشاعر المختلطة، وهذا ما أشارت إليه محمود في قصيدة “لغز الموناليزا” التي جمعت فيها بين الأسلوب الخبري والإنشائي، ففي البداية استخدمت ضمير المتكلم:

أنا هنا

سليلة السنا

لتعود وتكرر:

أنا المليئة بالأسرار

المختبئة وراء ابتسامة المعنى

لتقفل القصيدة باستخدام الأسلوب الإنشائي بتكرار التساؤلات:

هل من ناسك يحفر كنز هذا الحزن؟

هل من عاشق يقرأ سفر الغياب؟

هل من ساحر يحيل الريشة حمامة؟

ويفك لغز الروناليزا

عتبات ومفاتيح

ولم يكن عنوان المجموعة الشائق فقط، إذ تداخل مع عناوين القصائد التي شكّلت عتبات النصوص ومفاتيح تشد القارئ، المستمدة من الكتب المقدسة مثل القيامة العظمى، وما أنا بزليخة، ومن التاريخ مثل رقصة الأندلس، إضافة إلى الغامضة الرمزية مثل إبرة الملكة.

مجموعة الروناليزا التي تقع في مئة وإحدى عشرة صفحة كانت محور ندوة نقدية أقيمت في مركز ثقافي كفرسوسة بإدارة الأديب محمد الحفري ومشاركة د. عادل فريجات والشاعر جابر أبو حسين ود. عبد الله الشاهر، وقد تقاطعت الآراء حول البوح العاطفي واعترافات الأنثى الصريحة.

القداسة والتمرد

فبدأ الشاعر جابر أبو حسين برؤيتها للحب الذي جعلته بموضع المعبد المقدس بعيداً عن النزوة الغرائزية، والحبيب عندها واحد له هذه الصفة المنتحية جهة القداسة، فتقول:

ألوذ بطيفك

لأبحث عن صوتك

في أغاني النوارس يتراءى لي كأجراس الأديرة

وكأني ساجدة في معبد الحب المقدس

ليصل إلى ملمح آخر في قصائدها يشدّ القارئ إلى التمرد الصارخ على التقاليد البالية والعادات المهترئة والظلم المتلبس والملتبس بالأعراف والطبقات الاجتماعية وبالجهل والسلطة الذكورية في أحايين كثيرة، فتقسم على المواجهة بصوتها المتمرد:

قسماً بجرأة حنجرتي المتمردة بشرف الحرف

المتوهج بقداسة روحي

أصل الحياة

أما د. عبد الله الشاهر فيرى أن الشاعرة في مجموعتها تمنح الأنثى جذر الوجود وأصل الحياة من خلال حوائها التي تماهت مع كل شيء، ففي قصيدة رحم النور، تقول:

أنا أنثى الألوهة

وفي حقولي

شقّت بذرة الحياة

درب خضرتها

الأزلي

ويتوقف عند يقينية تقررها الشاعرة بأن العلاقة مع الرجل حتمية، ومن خلالها كفعل عاطفي، الرجل يكون فيه منفعلاً وليس عاقلاً، ففي قصيدة “عشب دمي” تقول:

ستنبت بدمي

كغزالات الورود

وأعشقك بالجوارح

وأذوب

كشمعة

تنتظر أن تخمدها

بأنفاسك

فالأنثى هي التي تعترف وتقرر ومفرداتها تدلّ على ذلك.

الفعل التجديدي

ويدخل د. عادل فريجات عوالم الفعل التجديدي، فيوضح بأن الشاعرة عبْر مجموعتها كانت أشبه بمن يقتحم بأفراسه أراضي وعرة، فتتجاوز وعورتها حيناً، ناشرة الحب والخير، وتتعثر حيناً آخر فترتطم بمعوقات لا يمكن القفز عنها، وهذا شأن يطرح سؤالاً محورياً؟ وهو أليس الفعل التجديدي محفوفاً بالمخاطر سواء في ميثاق القول الشعري أو في ميثاق الكشف العلمي؟ ولعلّ كل ما تقدم يؤكد أن الفعل الشعري يجعل الشعراء يدوسون أراضي عذراء، ويبثون أحلاماً كانت خبيئة زمناً، وقد يكسرون أقفالاً كانت مغلقة ليأتي الشعر ويفتح نوافذ تبهج الخاطر وتوحي للقارئ ما يضيء البصر من مشاهد وصور، وهذا ما فعلته رنا محمود في مغامرتها الشعرية الذكية في هذه المجموعة.