ثقافةصحيفة البعث

مسرح الطّفل.. بعيداً عمّا جرت عليه العادة!

نجوى صليبه

في كلّ مرّة أحضر عرضاً مسرحياً ـ إن جاز التّعبير ـ تجاريّاً للأطفال، أقول: كيف لبضعة أشخاص لم يدرسوا المسرح أو يتعاملوا معه كمشروع ثقافي أو ربّما لم يحضروا مسرحاً للطّفل أن يكتبوا حواراً بسيطاً ويتنقّلوا به تحت عنوان “عرض مسرحي” بين صالات بعض المراكز الثّقافية، مستهدفين أطفال المنطقة المحيطة بالمركز دون غيرهم، وكيف لهم أن يجذبوا هذا الكمّ الكبير من الأطفال على الرّغم من أنّ سعر التّذكرة للصّغير والكبير على حدّ سواء وصلت في آخر مرّة إلى الأربعة آلاف ليرة سورية، في حين أنّ المسرح الرّسمي الحكومي يقدّم عروضاً أفضل بكثير من حيث الشّكل والمضمون والهدف ومدّة العرض، إذ تصل إلى الـ 15 يوماً، والمال أيضاً فسعر التّذكرة لم يتجاوز ـ حتّى الآن ـ الألف ليرة أيضاً للكبير والصّغير، ولا نقول إنّ هذه العروض غير مشاهدة، بل على العكس تماماً، كثير من الأهالي ينتظرونها بفارغ الصّبر وينتظرون الاحتفاليات والتّظاهرات التي تقيمها وزارة الثّقافة ـ مديرية المسارح والموسيقا ـ لأنّهم حريصون على أن يشاهد أطفالهم عرضاً جميلاً ممتعاً هادفاً يتعلّمون منه القيم الجميلة التي صاروا يفتقدونها من صدق وصداقة وإخلاص وتعاون ومحبة، ويتفاعلون معها ضحكاً ومشاكسةً، حتّى العروض التي قد لا تكون ضعيفة في جانب من الجوانب تبقى من أفضل ما تقدّمه تلك الفرق التّجارية التي تعتمد على هرج مستمر ونكتة غير مدروسة العواقب غاب عن ذهن قائلها أنّ الطّفل يحبّ بطبعه التّقليد، هذا فضلاً عن الأغنيات الأجنبية التي درجت في السّنوات الماضية والتي يشغّلونها ليرقص الأطفال على أنغامها والتي لا تقدّم أيّ فائدة للطّفل لكونه لا يعرف معاني كلماتها، لتأتي بعد ذلك فقرة مكررة وهي فقرة السّاحر، تليها قصّة من القصص المعروفة كـ “ليلى والذّئب” و”ماوكلي” لكن بتفاصيل مختلفة وبلهجة محكية، وعلى هامش هذه الفقرات وبعيداً عن المسرح تجلس فتاة ترسم على وجوه الأطفال بعض الرّسومات بألوان زاهية وجميلة يزيدها جمالاً ضحكاتهم وقهقهاتهم.

ويبقى السّؤال الذي طرحناه ونطرحه في الوسط الثّقافي بشكل عام: أما آن الأوان لكي نفكّر بشكلٍ أفضل؟ وبشكل خاصٍ، فالأسئلة أكثر، لكن نقول: ما المانع من استخدام أساليب ترفيهية مدروسة وذات مضمون جيّد ومفيد على اعتبار أنّ معظم الدّراسات النّفسية والاجتماعية ـ إن لم نقل كلّها ـ تؤكّد دور التّشجيع والتّحفيز في حياة الطّفل؟، فإن كانت هذه الرّسومات تجذبه ما المانع من رسمها قبيل العرض المسرحي أو بعده في مسارحنا الرّسمية؟ وإن كانت الأغنيات تجذبه فما المانع أيضاً من أن يسمع أغنيات طفلية جميلة، ولاسيّما تلك المكتوبة باللغة العربية الفصيحة التي يقدّم بها العرض المسرحي أيضاً؟ وهنا تحديداً نكون قد حققنا عوضاً عن الفائدة اثنتين، الأولى: ترفيهية والثّانية: تقوية لغته العربية.. ما المشكلة أيضاً إن أجرينا مسابقة صغيرةً نطرح فيها أسئلة واضحة وبسيطةً تحرّك في الأطفال روح المنافسة وتشجّعهم على المطالعة ليشاركوا في مسابقات العروض القادمة؟ وما هي الخسارة المادية التي سنعانيها إن لبس ممثلون أو شباب ناشطون في هذا المجال زيّ شخصيات كرتونية واستقبلوا الأطفال على باب المسرح؟

طروحات كثيرة وطرق مختلفة يمكننا اعتمادها من دون أن يتخلّى المعنيون عن دورهم التّثقيفي والتّربوي والتّوعوي، وإن لم نشأ اعتمادها على الأقل دعونا نجرّبها لكي لا نعيش ثلاثين سنةً أخرى ونتحدّث في مشكلات مسرح الطّفل ذاتها، من النّصوص القليلة والأجور المنخفضة والوصول غير المرضي للجميع، وأقول ثلاثين سنةً لأنّ من اشتغل في مسرح الطّفل منذ ثلاثين عاماً يقول اليوم في كلّ فرصة ومناسبة تخصّه: “المشكلات هي ذاتها منذ ثلاثين عاماً، وهي بحاجة إلى قرار رسمي فالجهود الفردية لا تكفي”!.