حكومة أردوغان الجديدة ذات الميول الغربية
عناية ناصر
عمل أردوغان، بعد فوزه في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، على إحداث تغيير كبير في المناصب الرئيسية داخل تشكيلة حكومته الجديدة في الثالث من شهر حزيران الجاري، ما يشير إلى تركيز أنقرة على تعزيز العلاقات مع الغرب والانخراط مع الشرق.
لكن الأمر الذي أثار دهشة الكثيرين هو إبقاؤه على وزيرين فقط من وزراء إدارته السابقة، في تغيير ربما بدا أنه خروج عن نهجه المعتاد. وفور إعلان أردوغان فوزه في الانتخابات، أطلق حملة حزبه المتعلقة بالانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في آذار المقبل، خاصة وأن حزب “العدالة والتنمية” يصبّ جل اهتمامه على استعادة السيطرة على البلديات الكبرى، وخاصة اسطنبول وأنقرة، اللتين خسرهما في انتخابات 2019. ولتحقيق هذا الهدف، يجب على أردوغان أن يفي بوعوده الانتخابية، بالرغم من أن القضية الأكثر إلحاحاً هي الأزمة الاقتصادية الحالية، خاصةً وأن الليرة التركية فقدت على مدى السنوات الخمس الماضية 80 في المائة من قيمتها، بينما شهدت البلاد في تشرين الأول الماضي أعلى معدل تضخم في ربع قرن.
وما زاد الأمر سوءاً أن احتياطيات تركيا من العملات الأجنبية تستنفد بشكل مطرد، حيث تم إنفاق 26 مليار دولار هذا العام وحده لدعم الليرة المتعثرة، وتمويل العجز الكبير في الحساب الجاري للبلاد، وهذا الوضع الاقتصادي يسلط الضوء على الدور الحاسم والهام لوزير الخزانة الجديد الذي سيكلفه أردوغان بإدارة واحدة من أصعب الأزمات المالية في تاريخ تركيا.
مصرفي بريطاني ومدير تنفيذي سابق في وول ستريت
يظهر تعيين محمد شيمشك، وزير الاقتصاد الأسبق، وزيراً للخزانة، أن أردوغان يحاول تحسين العلاقات مع الغرب، حيث تكشف خلفية شيمشك عن علاقاته بالمؤسسات الغربية. وبما أنه درس في جامعة إكستر في المملكة المتحدة، وحاصل على الجنسية البريطانية، قدم منظوراً فريداً سيكون مفيداً. كما زودته مناصبه السابقة كخبير اقتصادي في السفارة الأمريكية في أنقرة، ومحلل أسهم في “يو بي إس”، ومستشاراً اقتصادياً في “دوتشيه للأوراق المالية، وفترة عمله في”ميريل لينش”، إحدى أكبر شركات إدارة الثروات في العالم، بخبرة كبيرة لا تقدر بثمن.
يعكس تعيين شيمشك وزيراً للخزانة اتجاهين:
- الأول، هو العودة إلى سياسات اقتصادية أكثر تقليدية بعد فترة طويلة من نهج أردوغان غير التقليدي، حيث يعتقد أردوغان على عكس معظم الاقتصاديين أن أسعار الفائدة المرتفعة تحفز التضخم. ونتيجة لذلك، خفضت إدارته أسعار الفائدة من 19 في المائة إلى 8.5 في المائة في عام 2021، ما تسبب بالتضخم الجامح الذي سعى أردوغان إلى تجنبه في العامين الماضيين. ومن المتوقع أن يكون أحد أول قرارات شيمشك هو عكس تلك السياسة. علاوة على ذلك، شدّد شيمشك على الحاجة إلى استقلالية صنع القرار، وسلط الضوء على نيته في ممارسة الحرية في منصبه الجديد.
- ثانياً، يحمل تعيين شيمشك تداعيات أوسع على علاقة أنقرة بالغرب، ونظراً لكونه شخصاً يتمتع بميول غربية، فقد يساعد وجوده في تنشيط الاستثمار الأجنبي في البلاد. بعد كل شيء، من هو أفضل من مصرفي بريطاني للتعامل مع المؤسسات الغربية؟ ومن الملفت للانتباه أنه اختار عند توليه لمنصبه أن تكون تغريدته باللغة الإنكليزية أولاً، بدلاً من التركية. وبأخذ تجارب شيمشك السابقة والصلاحيات المعطاة له في الاعتبار، يبدو أن هناك إمكانية لتحسين العلاقات الاقتصادية مع الغرب، وقد تعزز هذا الشعور بتعيين حفيظة غاي إركان محافظاً للبنك المركزي، مما جعلها أول امرأة تشغل هذا المنصب.
وبناء على خبرتهما في المؤسسة المصرفية “غولدمان ساك”، أحد أكبر البنوك الاستثمارية في العالم، وفي “بنك أمريكان فيرست ريبابلك”، يقود القطاع المالي في تركيا الآن مصرفي بريطاني، ومدير تنفيذي سابق في وول ستريت، وهما شخصيتان تتمتعان بالخبرة التي تفضلها المؤسسات الغربية.
تحسين العلاقات مع غرب آسيا والغرب
جاء اختيار أردوغان لوزراء جدد للشؤون الخارجية والدفاع والداخلية بمثابة منعطف مفاجئ، مخالفاً التوقعات بأن الوزراء السابقين سيبقون في مناصبهم. لقد اختير حقان فيدان، مدير المخابرات وزيراً للخارجية، في حين أصبح يشار جولر، رئيس الأركان العامة للجيش وزيراً للدفاع، بينما تولى علي يرليكايا، حاكم إسطنبول منصب وزارة الداخلية، وتولى إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئاسة منصب فيدان كرئيس للمخابرات.
بين عامي 1986 و2001، خدم فيدان في وحدة التدخل السريع التابعة لحلف الناتو، وعمل في فرع جمع المعلومات السريع في ألمانيا. وبعد 15 عاماً في القوات المسلحة التركية، استقال في عام 2001، وعمل مستشاراً سياسياً واقتصادياً في السفارة الأسترالية في أنقرة.
لقد جعله منصبه كمدير للمخابرات منذ عام 2010 على اتصال مع عملية صنع القرار بشأن قضايا السياسة الخارجية الرئيسية، ما سمح له باكتساب ثقة أردوغان. الأهم من ذلك، لعب فيدان دوراً رئيسياً في حملات التطهير التي أعقبت محاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، حيث يُنسب إليه الفضل في كونه أول من كشف المؤامرة. إن تدهور علاقات تركيا مع عدد من دول غرب آسيا خلال السنوات الماضية، سمح لفيدان بقيادة السياسة الخارجية التركية من وراء الكواليس.
كما يشير تعيين إبراهيم كالين كبديل لـ فيدان إلى استمرار التغييرات المؤسساتية التي بدأها الأخير في جهاز المخابرات لتقليص نفوذ الجيش. ويعتبر كالين من دعاة استخدام “قوة الإقناع” بدلاً من القوة الصارمة أو الإكراه، والتي من المتوقع أن تسهم في حل العديد من القضايا بين أنقرة وجيرانها. كما أنه من المدافعين عن “حوار استراتيجي” جيوسياسي أكبر مع الولايات المتحدة، حيث كان إحدى الشخصيات الرئيسية التي تعمل على تنسيق السياسة التركية مع الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي وروسيا وإيران. إن قدرة كالين على الحفاظ على علاقات متوازنة مع هذه القوى تجعله قادراً على إقامة علاقات إيجابية، ومن المتوقع أن يلعب فريق “فيدان- كالين” دوراً رئيسياً في الفترة المقبلة في تحسين علاقات تركيا مع غرب آسيا والغرب.
دمج الدولة العميقة في حزب العدالة والتنمية
وفيما يتعلق بوزارة الداخلية، يشير قرار أردوغان باستبدال الوزير السابق سليمان صويلو، على الرغم من انتمائه إلى اليمين القومي الذي دعم أردوغان في الانتخابات الأخيرة، إلى الابتعاد عن خطاب صويلو القاسي تجاه الغرب والولايات المتحدة.
هاجم صويلو في شباط من هذا العام المبعوث الأمريكي إلى تركيا، مطالباً إياه “برفع يده القذرة عن تركيا”، متهماً واشنطن بالتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد. وبالنظر إلى صويلو كعائق محتمل، استبدله أردوغان بـ علي يرليكايا، حاكم إسطنبول الذي لديه خبرة سابقة في إدارة مختلف المدن التركية.
ويشغل يشار غولر، وزير الدفاع المعين حديثاً، منصب رئيس الأركان منذ 2018، ولعب دوراً حاسماً في ترسيخ سيطرة أردوغان على الجيش بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. وبخبرته السابقة كنائب رئيس الاتصالات للقيادة الإقليمية الجنوبية لحلف الناتو، يحافظ غولر على علاقات جيدة مع زملائه في الحكومة وأقام علاقة مع الغرب.
بشكل عام، كان هدف أردوغان هو جعل الحد من النفوذ السياسي للجيش هدفاً طويل الأمد، وقد أحرز تقدماً كبيراً في تحقيق هذا الهدف، حيث يمثل ضم القيادة الاستخبارية والعسكرية في الحكومة إلى جانب تعيين بيروقراطي لرئاسة جهاز المخابرات خطوة نحو دمج الدولة العميقة في الحزب الحاكم.
تهدف خيارات أردوغان للوزراء إلى تخفيف التوتر في علاقات تركيا مع الغرب، حيث قام في المجال المالي باختيار الأفراد ذوي الخبرة في المؤسسات المالية الغربية الكبرى، على الرغم من وجهات نظرهم حول حل الأزمة الاقتصادية، والتي تختلف عن وجهات نظره الخاصة.
لكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه، هل سينجح فريق أردوغان الذي اختاره في حل التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه تركيا؟.