“عنف العالم” لإدغار موران: قراءة فلسفية عميقة في أحداث 11 أيلول
تمّام بركات
“عولمة العنف” قد تكون هذه العبارة، الواردة في كتاب “عنف العالم”، لمؤلفه الفيلسوف البنائي الفرنسي إدغار موران (1921) هي التلخيص، الأكثر دقة وعملانية وموضوعية، لوصف الحال التي أصبح عليها العالم اليوم، والتي يحكمها العنف في المقام الأول، بعد أن قامت العديد من الدول الكبرى بجعله واقعاً قائماً، إن لم يكن بالمضمون، فعن طريق الشكل، ولقد نجحت بذلك إلى حدّ كبير.
فتعويم العنف، والترويج لهذه الفكرة الشيطانية، عن طريق وسائل الإعلام والشخصيات العلمية والفكرية والفلسفية، وطباعة الكتب التي تروج للفكرة، والترويج لها عالمياً، لا هدف له إلا أن يجعل الجميع يشعرون بأنهم شركاء في هذا العنف، بل وصناعاً له أيضاً، وفي هذا تغطية لمصدر العنف الحقيقي وسببه. يقول المؤلف: “يدخل البشر من كل الأجناس، وفي كل مكان، إلى حلبة العنف، بل يتحولون إلى حلبات للعنف، شاؤوا ذلك أم أبوا، لا اختيار هنا، فالعنف صار سيد الأحكام على كل الصعد، ولأول مرة يتوحد العالم عبر العنف، وهكذا يبرز المتن، وكأن لا هامش له، إذ العنف يوحد بين الشكل والمضمون”.
وتحت عنوان مربك وجذاب “جماليات العنف” يورد صاحب “من يفكر أحمق” تحليلاً للعنف العالمي الذي بدأ مع مطلع الألفية الثالثة، وبالتحديد في 11 أيلول 2001، عندما تم “ضرب رأس أمريكا”، كما وصف الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا (1930 – 2004)، الأمر، فما حدث، حسب موران، كان: “كالصدمة الكهربائية التي شملت الكيان الأمريكي كله”، حتى أنه يأتي على تسمية الحالة التي كانت عليها أمريكا، بـ”هرمجدون فعلي”، وما نتج عن ذلك، يصفه موران بوصف أدبي – فلسفي بارع، قائلاً: “هكذا يبتكر الحدث حربه الكوكبية، والأغلبية هم كومبارس فيها”، ما يشير إلى أن كل “العنف العالمي” الذي وقع منذ ربع قرن تقريباً، وما زال مستمراً في بقاع كثيرة من العالم، تم وضع إعداد سابق له، عبارة عن مجموعة سيناريوهات كارثية تتعامل مع الوضع، كما استقبله العقل الأحادي، الإقصائي الأمريكي “من ليس معنا فهو ضدنا”، يقول مؤلف “هل نسير نحو الهاوية؟”: “في إطار التاريخ الأمريكي المعاصر، ومن خلال مقوماته، ربما كان الحدث المأتي عليه نهاية الفلسفة الذرائعية الأمريكية، بوصفها الحافة التي يجب أن تتوقف عندها، وإلا فلسوف يكون هناك انهيار من نوع آخر، سقوط في هاوية التاريخ”.
في الكتاب أيضاً قراءة وتحليل للحدث الذي غيّر العالم، وهو بقلم الفيلسوف الفرنسي جان بودرياد (1929 – 2007)، وهو يخوض في فك الترميز الذي يعنيه “البرجان الشهيران” من وجهة نظر معمارية فلسفية أيضاً، مبدياً رأيه بالسبب الذي تم لأجله اختيار “الهدف الشاهق” وما كان من نتائج تدمير برجي التجارة العالميين في نيويورك، فهما من أجمل صروح المدينة، وبتدميرهما تم تدمير ضرب من ضروب فن العمارة، كما تم ضرب كل منظومة قيم غربية، ونظام العالم.
في الدلالة يوغل بودريارد في قراءة الحدث من خلال الهدف، يقول: “التنافس بين أبنية مانهاتن الشاهقة، نتج عنه بانوراما معمارية على صورة النظام الرأسمالي، وبرجي التجارة العالميين، رمزه المحقق، ولو كان التدمير واقعاً في برج واحد، لما كانت الرسالة وصلت، فالبرج هو العلامة أو لوغو النظام الرأسمالي، والبرج الآخر هو تأكيد لهذه العلامة أو الرمز”.
“الكوكبة” هي التسمية الأنسب حسب موران عوض “العولمة” وفي مدخل من مداخل الكتاب، بعنوان “في قلب الأزمة الكوكبية” يأتي فيها على ذكر المفارقة في هذه الحقبة من التاريخ الإنساني، فالأفكار “الاستنهاضية” جاءت بمعظمها من دول الهيمنة يقول: “اليوم الوضع العالمي هو كالتالي: غني وفقير، والظاهرة الأساسية لا تكمن في الفقر المادي وانخفاض الدخل، إنما في الواقع التكاملي العميق، حيث هناك المعدومون المحرومون من العلاج الطبي، إنما أيضاً في الإهانة التي يتعرضون لها، من قبل هؤلاء الذين يمتلكون السلطة” فالظلم الأكثر خطورة برأي المؤلف، ليس الظلم المادي، بل الظلم الأخلاقي.
كتاب “عنف العالم” الصادر في باريس (2003)، يخوض فلسفياً وفنياً في قراءة الحالة “العنفية” التي أصبح عليها العالم بعد أحداث 11 أيلول، بأسلوب سلس وسرد تحليلي- تفكيكي، يعتمد الهدم وإعادة البناء، في محاولة لمعرفة الأسباب من وجهة نظر علمية، فلسفية، ومن خلال معطيات أخرى تم إهمالها، وهي الأكثر خطورة وحساسية ودلالة أيضاً.