ماكرون أمام الاختبار الثالث
تقرير إخباري
في الليلة الخامسة من اندلاع الاضطرابات والاحتجاجات الغاضبة في المدن الفرنسية الكبرى، باريس ومرسيليا وليون، إثر مقتل الفتى نائل ذي الـ17 عاماً برصاص شرطي أثناء تفتيش مروري، التي كانت أهدأ نسبياً من سابقاتها، تم توقيف المئات في أنحاء فرنسا، حسبما أعلنت وزارة الداخلية. وقضى نائل برصاصة في الصدر أطلقها شرطي من مسافة قريبة في أثناء عملية تدقيق مروري في ضاحية نانتير غرب باريس، بينما وُجّهت إلى الشرطي الموقوف البالغ 38 عاماً تهمة القتل العمد.
وإزاء مخاطر امتداد العنف والتخوّف من تكرار ما حصل في “انتفاضة الضواحي” لعام 2005، أكّدت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيت بورن أن السلطة التنفيذية تدرس “كل الاحتمالات” لإعادة النظام في فرنسا من بينها فرض حال الطوارئ.
ومن احتجاجات السترات الصفراء إلى الاحتجاجات حول أنظمة التقاعد، يمرّ ماكرون الآن بالاختبار الثالث مع اضطرابات العنف المدني، ليجد نفسه أمام تحدّي الحفاظ على هيبة الدولة، واحترام النظام العام، ومسعى الحفاظ على التماسك المجتمعي، ومستقبل الشباب المهمّش. وحسب مراقبين، ليس من الممكن أن تتجاهل فرنسا طلب منظمة الأمم المتحدة منها “معالجة مشكلات العنصرية والتمييز العنصري في صفوف قوات الأمن”، وهذا يتطلّب مراجعة متأنية لتكوين رجال الشرطة والأنظمة المرعية في الدفاع عن النفس، وكيفية إطلاق النار، لكن يصعب على الدولة أيضاً عدم التعامل بحزم مع مجموعات تستغل معاناة الأحياء الشعبية، وتستفيد من الفوضى للقيام بأعمال نهب وتخريب، وتعتمد خطاباً مليئاً بالكراهية.
يتضح جليّاً من عام 2005 إلى عام 2023، الفشل في معالجة أوضاع الأحياء الشعبية والهامشية التي تكشف عن فشل أنموذج الاندماج لمواطنين من أصول أجنبية، أو عن اعتبار الجيل الفرنسي الجديد الناشئ في هذه الأماكن مواطنين من الدرجة الثانية.
رغم ذلك، يعتبر المراقبون أنه لا يمكن التقليل من التوتر الذي يتعرّض له رجال الشرطة بسبب العدوانية المتصاعدة، وليس مقبولاً تبرير أعمال العنف المتنقل بين عدة مدن، لكن المأساة التي حصلت تتطلّب تحقيقاً مع خلاصات واضحة، وكذلك القيام بإصلاح إجراءات استخدام الأسلحة.
في كل الأحوال، ينطوي كل تقييم فيه مبالغات على غطاء تتخذه ذريعة أو تستفيد منه زمر وعصابات الاتجار بالمخدرات أو التهريب والتجارة غير الشرعية، والقوى المتشدّدة يميناً ويساراً، وكل ذلك يمكن أن يدفع للانفجار، وليس في ذلك مصلحة الشباب والأحياء الشعبية، وبالطبع ليس في مصلحة فرنسا.
وكانت شرطة باريس قد قرّرت تسيير طائرات دون طيار مزوّدة بكاميرات في ضواحي باريس لمنع الهجمات على الممتلكات في المدينة، في أعقاب تعرّض مدينة مرسيليا لمحاولات نهب للمحال التجارية والأسواق، حيث وقعت اشتباكات بين محتجين، وعناصر الشرطة الذين استخدموا الغاز المسيل للدموع، بينما أرجأ ماكرون رحلته إلى بروكسل في أعقاب اندلاع موجة الاحتجاجات.
هيفاء علي